عملياً، انطلقت الحركة النقابية في فلسطين مع «جمعية العمال العربية الفلسطينية» في حيفا. الجمعية التي رأسها عبد سليم حيمور تأسست في عام 1925 وعقدت المؤتمر العمالي العربي الأول في 11 كانون الثاني 1930. في المؤتمر، ألقى محمد علي قليلات وهو عامل سكك حديدية، شيوعي، الكلمة الرئيسية فأجرى مقارنة بين العمال في الشرق والعمال في الغرب. أما النقاشات فتناولت يومها تحديد ساعات العمل بـ8 ساعات وإعطاء تعويضات للمرضى ورفع الأجور. وبينما اعترف المؤتمر بمبدأ الإضراب عند الضرورة، فشل في تبني مطلب يوم عمل من ثماني ساعات، لكنّه وافق، في المقابل، على تسعة قرارات تتعلق مباشرة بقضايا سياسية من بين مجموع قرارات المؤتمر التي بلغت آنذاك نحو 30 قراراً. أما القرارات السياسية فتمثلت تحديداً بالمطالبة باستقلال فلسطين ضمن الوحدة العربية وشجب الهجرة الصهيونية. والأهم أنّ المؤتمر طالب بتطبيق نظام خاص للمعتقلين السياسيين، مسجلاً، من جهة ثانية، معارضته للغرامات الجماعية التي فرضتها الحكومة على القرى العربية في أعقاب انتفاضة آب 1929. السنوات التالية للمؤتمر شهدت العديد من الإضرابات، منها على سبيل المثال لا الحصر إضراب العمال في عكا وعمال المحاجر في حيفا وعمال شركة شل في يافا. أما الإضراب الأبرز فكان في عام 1936 ونفذه عمال السكك الحديدية لمدة ستة أشهر وتوّج بحملة عسكرية استمرت 3 سنوات. وكانت الحركة العمالية قد واجهت في بداية انطلاقتها سياسة «احتلال العمل» التي انتهجتها الحركة الصهيونية وهدفت إلى التضييق على العمال العرب عبر هجمات شنت على أرباب العمل اليهود وحكومة الانتداب البريطانية بهدف تشغيل المهاجرين اليهود. فمع تزايد الهجرة الصهيونية في مطلع الثلاثينيات أصبح من الأهمية بمكان للحركة الصهيوينة أن تقتصر فرص العمل داخل الجالية اليهودية على العمال اليهود فقط، أصرّت الحركة الصهيوينة على جعل فرص العمل تقتصر على العمال اليهود فقط.
في ذلك الوقت، كانت نقابة عمال السكك الحديدية تُعدّ أول نقابة عمال في فلسطين حيث كانت تضم عمالاً عرباً ويهوداً. لكن ارتباط العمال اليهود بالحركة الصهيونية أدى إلى نشوب خلاف داخل النقابة، ما دعا العمال العرب إلى تأسيس «جمعية العمال العربية الفلسطينية». وواجهت الحركة النقابية الفلسطينية مشكلة عدم حماية القانون للعمال العرب، فكانت أجورهم أقل بكثير من زملائهم اليهود، ما حدا بالرأسماليين اليهود، على الرغم من صهيونيتهم، إلى تشغيل العرب. لكن الهيئات الصهيونية الرسمية منعت تشغيل العرب بالقوة، فأسست «الحاميات اليهودية» التي تولت مضايقة المؤسسات التي كانت تشغّل عرباً، كما أزعجت العمال العرب وهددتهم. وتبنى «الهستدروت»، أو الاتحاد العام للعمال في إسرائيل، هذه السياسة وأطلق حامياته ضد مواقع البناء الحكومية، مطالباً بنصيب أكبر من العمالة للعمال اليهود. أما أحد الأحداث الشهيرة فهي مهاجمة العمال العرب العاملين في بناء مدارس حكومية في يافا.
المصدر
كتاب تطور الحركة العمالية في فلسطين ـــ مقدمة تاريخية ومجموعة وثائق 1919 ــ 1948
 من إعداد د. موسى البديري ويعتمد الكتاب على الكثير من المراجع. 



الحزب الشيوعي الفلسطيني

ساهم الحزب الشيوعي الفلسطيني في الحركة العمالية الفلسطينية على نطاق واسع . فقد انتخب محمد علي قليلات أميناً عاماً وكامل عودة أميناً عاماً مساعداً لمؤتمر العمال العربي الأول عام 1930. كما انتخب رضوان حسن الحلو أول سكرتير عربي للحزب عام 1934، وهو عامل بناء شارك في أعمال المؤتمر. وقد أرسل الحزب العديد من كوادره للدراسة في مدرسة الأممية الشيوعية  في موسكو. وأصدر مجلة (حيفا ـــ مجلة العمل) التي تبنت قضايا الطبقة العاملة وضرورة التنظيم وتأليف نقابات مهنية موحدة بين اليهود والعرب.