توجّه الوسطاء نحو منزل الأحمر للقاء عميد العائلة وشيخ مشايخ قبائل حاشد، الشيخ صادق بن عبد الله بن حسين الأحمر، في محاولة أخيرة لإيجاد تسوية تتيح للرئيس صالح إعادة ترتيب أوراقه على نحو مختلف. وحسب أوساط يمنية مطّلعة، كان هدف الرئيس تفكيك الكتلة التي تطالب برحيله، ولذا أرسل مجموعة من المقرّبين من الطرفين لاستنفار العصبية القبلية لدى ابن الأحمر الذي يمون عملياً على مكوّنين مهمين من الحراك الاحتجاجي، القبائل وحزب الإصلاح الإسلامي، عدا عن صلته القوية بالسعودية.لم يسمع وفد الوساطة من الشيخ صادق الأحمر ما يرضي الرئيس. فأولاد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذين حضروا اللقاء، ومنهم حميد خصم الرئيس، أصرّوا على تنفيذ الرئيس للمبادرة الخليجية. وبينما كان الوفد يهمّ بالمغادرة، انهالت الصواريخ على منزل الأحمر. وفهم الناس في صنعاء على الفور الرسالة، وهي أن صالح يطلق طلقته الأخيرة بعد سلسلة من المناورات تجاوزت ثلاثة أشهر، كان خلالها يلعب على الحبال كافة لكي يحفظ طريق العودة ولا يضع نفسه في الزاوية. ولكنه حين سمع الرأي الأخير من أولاد الأحمر، أراد أن يوصل رسالة ممهورة بالدم، فحواها أن طريق رحيله فاتحة لحرب أهلية يهدم فيها بيوت خصومه على رؤوسهم، ولا سيما أنه يمتلك كل القدرات العسكرية من سلاح طيران ودبابات ومدفعية...إلخ.
تاريخ الرئيس صالح مع بيت الأحمر يعيد نفسه هذه المرة على نحو معكوس. فهو يدين فعلياً للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في الوصول إلى الحكم سنة 1978، وفي البقاء في سدة الرئاسة طيلة هذه المدة. وها هي الآية تنقلب، ويصبح خروجه من الحكم على أيدي أنجال الشيخ عبد الله، الذي لو بقي على قيد الحياة لكان تصرّف عكس أولاده، ولما تزحزح عن جانب الرئيس، ولن يعدم أن يجد له المخرج المناسب الذي يشتّت من خلاله صفوف خصومه. حين شغر موقع الرئاسة سنة 1978 بعد مصرع الرئيس الشمالي السابق أحمد حسن الغشمي، سارع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، لما له من تأثير كبير داخل المؤسسة العسكرية، إلى تعيين صالح في عضوية المجلس العسكري المؤقت لإدارة البلاد، وطار به إلى السعودية مباشرة، وقدمه إلى المسؤولين السعوديين، وطلب منهم دعمه لكي يتولى الرئاسة. ولم يكن السعوديون يعرفون علي عبد الله صالح، الضابط الشاب الذي كان يتولّى مهمات أمنية في البحر الأحمر ويقود لواءً في تعز وينصرف إلى التجارة والتهريب في منطقة القرن الأفريقي، وخصوصاً الكحول. ولكنهم قبلوه وتعاطوا معه بوصفه مرشح الشيخ عبد الله، صديقهم الحميم الذي تربطهم به صداقات واسعة، ويغدقون عليه مساعدات تفوق تلك التي كانوا يقدمونها إلى بعض الدول التي تدور في فلكهم، ومنها اليمن.
وعن طريق ما يعرف بـ«اللجنة السعودية الخاصة»، ظلّت المملكة ترعى شؤون القبائل وبعض سياسيي اليمن وتقدم لهم رواتب شهرية، وتتولى شؤون علاجهم. ورغم تنوّع علاقات السعودية في اليمن، فإن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بقي المفتاح الرئيسي لكل الأبواب. وفي الفترات التي شطّ فيها صالح عن السعودية خلال علاقاته مع الرئيس السابق صدام حسين، ظلّ الشيخ الأحمر مرجع السعودية في اليمن، وصمام الأمان للعلاقات اليمنية السعودية.
تصرّف الشيخ الأحمر على الدوام على أن الرئيس صالح موظف لديه برتبة رئيس. ورغم أنه حفظ له كافة الشكليات وترك أمامه هامشاً خاصاً للمناورة، فإن الكلمة الأخيرة في ما يخص القرارات الكبرى والمنعطفات المهمة كانت للشيخ الأحمر. وبرز ذلك في أكثر من مناسبة، وخصوصاً في النزاع الشمالي الجنوبي الذي تلى الوحدة في أيار سنة 1990. وقد تفجّر النزاع على خلفية مواقف الشيخ الأحمر نفسه، الذي لم يعترف فعلياً بالوحدة، وعارض قيامها وفق الصيغة التي تمت بها، على أساس دمج الدولتين والشراكة بين الشمال والجنوب. واستند موقف الأحمر إلى مقولة «عودة الفرع إلى الأصل». فبالنسبة إليه، الجنوب جزء من الشمال انفصل عنه بحكم اعتبارات تاريخية معروفة، وحين حان الوقت عاد إلى الوطن الأم، وبالتالي لا يستحق الجنوبيون معاملة متميزة من منطلق أنهم يمثّلون دولة مستقلة. قاد منطق الأحمر إلى أزمة سنة 1993، أخذت شكل مطالب جنوبية لتصحيح مسار الوحدة، وجرت محاولة لحلّها من خلال «وثيقة العهد والاتفاق» التي كانت تنص على تحجيم الرئيس وتبعد عائلته عن الجيش والأمن. وفي لحظة التوقيع في شباط 1994 في عمان، تحفّظ الشيخ الأحمر، وفتح بذلك باباً للرئيس لكي يعلن الحرب على الجنوب ويبسط عليه سيطرته العسكرية. وكان للشيخ الأحمر الدور الرئيسي في النصر، من خلال تجييش القبائل وحزب الإصلاح. بعد ذلك، حاز الأحمر لقب شيخ الرئيس، وكان يُلجأ إليه حين يتصلّب الرئيس حيال أي ملف من الملفات الداخلية والخارجية. ومقابل ذلك، كان الشيخ يمثّل السور الحامي لمنصب الرئاسة الذي ظل حكراً على صالح. ولكن مواقع الرئيس بدأت تتهاوى بعد رحيل الأحمر سنة 2007، وكان أول تمرّد واجهه من داخل بيت الأحمر، عبر نجله الشيخ حميد الذي كان السبّاق إلى دعوة الرئيس إلى الرحيل سنة 2009.