تكمن إحدى المشاكل الجديدة للنظام السوري مع الموقف التركي إزاء حركة الشارع، في النبرة اللاذعة للإعلام التركي عموماً إزاء نظام الرئيس بشار الأسد، رغم أن جزءاً كبيراً من هذا الإعلام لا يزال يرى أنّ موقف تركيا يبقى متذبذباً حتى الآنفي رحلة البحث عن تعاطي الصحافة التركية مع الأزمة السورية، تندر الأسرار، وتكثر التقارير والتسريبات والتحليلات بعكس ما يحصل عادةً في الإعلام التركي المتمحور حول شؤونه الداخلية أكثر من الاهتمام بالملفات الخارجية التي تبقى متابعتها حكراً على «نخبة» مثقّفة أو على صحافيين وجامعيين ومتخصصين. ويأتي الخبر السوري في معظم هذه الأيام في المرتبة الثانية بعد الاستعداد لانتخابات 12 حزيران المقبل ومتفرعات هذا الاستحقاق من فضائح جنسية تلاحق أحزاب المعارضة التركية وترشيح زعماء عصابات «إرغينيكون» على لوائح تلك الأحزاب. وكان هذا الاهتمام الإعلامي الاستثنائي بالحدث السوري أحد أسباب الغيظ السوري الكبير، بما أنّ الفوارق من ناحية مقاربة التطورات عند الجار السوري زالت بين صحف معارضة وأخرى موالية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، ولتصب معظم التحليلات والآراء بعكس مصلحة نظام الرئيس بشار الأسد. وترى الأستاذة الجامعية والخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، مليحة ألتونيشيك، في مقابلة مع صحيفة «حرييت دايلي نيوز»، أعرق الصحف التركية التي تملكها امبراطورية «دوغان» الإعلامية المحسوبة على حزب مصطفى كمال أتاتورك، «الشعب الجمهوري»، أنّ الأسد «استمع في بداية الأزمة للنصيحة التركية، لأنه ظنّ أنّ بعض الإصلاحات ستكون كافية لوقف حركة الشارع». لكنها تستدرك أنّ الأسد أدار أذنه في ما بعد «للصوت الايراني الذي نصحه بسحق التظاهرات»، على قاعدة أنّ التجربة الايرانية في قمع حركة المعارضة في حزيران 2009 وما تلاها، كشفت عن نجاح أسلوب القوة العنفية ضد التظاهرات. وأشارت ألتونيشيك إلى أنّ الأسد اعتمد في لجوئه إلى القوة على ثقته بأن الغرب لن يتدخل في الأزمة السورية، وخصوصاً في ظل فشل الأخير في ليبيا. ولا ترى ألتونيشيك أنّ السياسة التركية واضحة في معارضة طريقة تعامل نظام الأسد مع التظاهرات، بما أنّ حكومة أردوغان ترى أن عليها الإبقاء على علاقات إيجابية مع الأسد، «لذلك نرى هذه السياسة التركية الملتوية والمتذبذبة إزاء الأزمة السورية». في المقابل، يرى الكاتب التركي المعروف يوسف كانلي أنّ كلّاً من إسرائيل والسعودية وإيران وتركيا سيسعون إلى الحفاظ على نظام الأسد حرصاً منهم على مصالحهم، كل لأسبابه، من بينها أنّ انهيار النظام السوري سيتسبب في فتح الأبواب أمام مشكلة كردية كبيرة بالنسبة إلى تركيا، فضلاً عن أنّ سقوط نظام الأسد «سيؤدي إلى فقدان سيطرة دمشق على حزب الله وحركة حماس، وهو ما سيمثّل تهديداً وجودياً بالنسبة إلى إسرائيل»، على حد تعبير كانلي. وبحسب تحليله، حتى بالنسبة إلى السعوديين الراغبين في القضاء على التحالف السوري ـــــ الايراني، فإن تغير النظام في سوريا «سيفتح لهم صندوقاً سرياً لا أحد يعرف على ماذا يحتوي». رأي يشاركه فيه الكاتب قدري غورسل في صحيفة «ملييت»، وهو يركز بدوره على مواضيع ينظر إليها السوريون على أنها «تابو» حقيقي، كاستخدام مصطلحات «الحكم المذهبي العلوي» في سوريا، وأهمية أن يبقى هذا المذهب حاكماً في دمشق بالنسبة إلى حلفاء سوريا كإيران وحزب الله في مقابل أيّ ثمن. كلام يؤسس عليه غورسل ليهاجم «الصمت التركي إزاء الجرائم»، وذلك في مقال له بعنوان «إن لم نكن قادرين على القول ارحل للأسد، فلنقل له تعال»، في إشارة إلى اقتراح بأن تعرض أنقرة اللجوء السياسي على الأسد!