مع اتخاذ تركيا أول مواقفها الداعية إلى الاستجابة لمطالب الشعب السوري، بدا جلياً أن القيادة السورية فهمت أن أنقرة ذاهبة حتى النهاية في ضغطها على نظام الرئيس بشار الأسد. منذ ذلك الوقت، والإعلام السوري و«أصدقاء دمشق» يترصّدون أي كلمة تصدر عن أي مسؤول أو حتى صحافي تركي، لوضعها في خانة سوء النيّات التركية. وحتى عندما حاول رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الإشادة بعلمانية النظام السوري، على طريقته الشعبوية، مشيراً إلى أن الرئيس الأسد علوي المذهب، بينما زوجته سنيّة، شعر عدد من المسؤولين السوريين بالإهانة الوطنية على قاعدة أنّ هذا الكلام يتضمّن تحريضاً للغالبية السنيّة ضدّ الأقلية العلوية.
وعن هذه المسألة المذهبيّة، أكّد مركز دراسات «أورسام» (من بين مراكز الدراسات المعروفة في تركيا) أنّ «العلويين العرب المقيمين في تركيا، في منطقتي أضنة وهاتاي الحدوديتين تحديداً»، قرأوا الموقف التركي النقدي تجاه النظام السوري والحملة الإعلامية التركية على أنهما «حملة سنيّة ضدّ العلويّين».
وفجأة، تذكّر بعض الكتّاب السوريين والعرب المؤيدين لنظام الأسد أنّ تركيا ـــــ العدالة والتنمية تحمل مشروع «العثمانية الجديدة» لقيادة المنطقة، ولتحل مكان مراكز قوى عربية تقليدية.
أيضاً استفاق بعض «أصدقاء النظام» على أن لتركيا معضلة اسمها القضية الكردية، وأنّ هذه القضية تمنع «العثمانيين الجدد» من إسداء النصح إلى الآخرين في الديموقراطية والمساواة والحقوق.
أما العلاقة «الإيديولوجية» التي يبدو البعض في سوريا مقتنعاً بأنها تجمع بين الإخوان المسلمين السوريين وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، فقد نالت النصيب الأكبر من التعليقات في الأيام الماضية في الإعلام السوري، من خلال التشديد على أنّ تركيا تحتضن «الإخوان» وتدعمهم وتموّلهم، بدليل السماح لممثلين عنهم بعقد اجتماعات على أراضيها. وكلام المسؤولين الأتراك الذي كان يقابل بالتصفيق بشأن حلم إزالة «الحدود المصطنعة» بين دول كتركيا وسوريا، صار مستهجناً وتدخُّلاً في الشؤون السورية الداخلية، عندما أشار أردوغان في الفترة الأخيرة إلى أن تركيا تتعاطى مع التطورات السورية كأنها شأن داخلي تركي. الأمر نفسه ينطبق على قرار السلطات التركية تهيئة كل الظروف لتوفير كافة احتياجات مواطنين سوريين قد يضطرون إلى النزوح من الأراضي السورية نحو تركيا، على غرار ما حصل على الحدود مع لبنان.
هنا أيضاً لاقت خطوة إعداد الخيم والمساعدات اللوجستية على الطرف التركي من الحدود ردود فعل سلبية جداً في أوساط النظام السوري الذي رأى في الإجراء تشجيعاً على نزوح السوريين إلى تركيا. وقد يجد الإعلام السوري مناسبة جديدة لانتقاد تركيا التي استقبلت مستشفياتها 13 جريحاً سورياً حتى الآن، ووفّرت لهم الرعاية الطبية، وآخرهم وصل إلى مستشفى أنطاكيا الحكومي، أول من أمس، من محافظة إدلب السورية الحدودية، فضلاً عن استقبال بعض النازحين منذ 29 نيسان الماضي.
وغير بعيد عن ذلك، زخرت الصحافة السورية، وخصوصاً «الوطن»، بانتقادات لـ«التشاوف» التركي واللهجة «الواعظة»، وهو تعليق يرد في كل مرة يعرب فيها أردوغان عن خشيته من تحوُّل الصراع في سوريا إلى مذهبي، وفي كل مرة يدعو فيها الرئيس السوري وحكومته للمسارعة إلى الإصلاح. كلها أمور يضعها الحكام الأتراك في خانات سوء الفهم السوري للموقف التركي الراغب في بقاء الأسد رئيساً، لكن لنظام مختلف عن الموجود حالياً، والمرعوب من أثر تدخّل أجنبي أو حرب أهلية ومذهبية على استقرار منطقةٍ لا يمكن تركيا أن تكون الأقوى فيها، في حـــال بقائهــا بؤرة للنزاعات.
5 تعليق
التعليقات
-
لا تمر بموضع السوء قتُشتبه- 2ولا يفهم من ذلك أننا نتوقع منها التطبيل والتزمير للنظام السوري والتغاضي عن أخطائه، بل توقعنا أن نقرأ لكتابها ما عهدناه عنهم من تحليلات رصينة ومتوازنة للمجريات للسيناريوهات المختلفة للأزمة وهو ما عرفناه عنهم في قضايا أخرى ولكن للأسف لم نجد إلا ما يدل على أنها تسير في الركب الدولي. وفي محاولتنا البحث عن جواب حول رسالة الصحيفة فإننا نخشى أن الجواب يكمن خلف ما صرح به السيد قائد المقاومة في حديثه المتلفز قبيل بداية الأزمة في سورية بأن صحيفة الأخبار لا تمثل راي المقاومة وما يعني ذلك عملياً... من هنا أدخل الى موضوع المقال، حيث يقول المثل "لا تمر بموضع السوء فتشتبه" وقد نشتبه بأمر أو اثنين فعلتهما تركيا عن حسن نية، ولكن ان نرى أن جميع سلوكياتها تصب في مسار محرك الأزمة وتتساير مع مراحلها فان ذلك يفتح الباب للشك ومن ثم الحذر والذي يتطلب بدوره جهوزية عالية بفتح النار، وهو الرد الفعل الطبيعي لأي جندي يشتبك في معركة، وقد يكون من السذاجة الركون الى حسن النية فقط لسبب بسيط وهو أن ذلك سيكون قاتلاً حتماً. وبالتالي تقع على مسؤولية من هم في أوضاع هادئة على تجنب الاستفزاز، إن كانوا حسني النية طبعاً، ونرجو عدم التطوع لسرد العذار والتبريرات لمن هم غارقون لذقونهم في المقصلة التي تعد لسورية (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين، صدق الله العظيم).
-
لا تمر بموضع السوء قتُشتبه- 1بالعام، هناك أمران يلخصان الصورة الحالية للأزمة السورية والتي تتناقلها وسائل الاعلام المختلفة غير السورية الرسمية أو شبه الرسمية. الأمر الأول وهو أن معظم هذ الوسائل، رغم تشعب وتباين أطراف الأزمة والداخلين فيها، تتجاهل حقيقة وجود مؤامرة عالمية على سورية. والأمر الثاني أن معظم وسائل الاعلام هذه تصور باستسهال، مقصود او غير مقصود، أن جميع الأطراف غير السورية والمتورطة بالأزمة على أنهم أنبياء أو بالحد الأدنى حسني النوايا وأن الخطأ وسوء الفهم وسوء التصرف والتقصير يقع في الجانب السوري فقط، وهذا أمر غريب بحد ذاته. والأغرب هو درجة الاجماع التي تحوزها هذه الصورة بين وسائل إعلامية متباينة لم يوجد ما يجمع بينها يوماً. وهذا الاجماع كان ليكون دليل مصداقية لولا أننا نعيش في سورية ونرى الأزمة من الداخل. ولو كنا نعيش في الخارج لذهبنا الى المسلخ الذي أرادته لنا هذه المؤامرة العالمية بأرجلنا وضاع مستقبلنا بمجرد مشاهدة فيديو كاذب على الجزيرة أو أمثالها. بالخاص، عرفنا عن صحيفة الأخبار منذ زمن طويل انحيازها للمقاومة والقضايا المحقة، ومع اختبار ما كانت تنشره الصحيفة مقارنة بالمجريات على أرض الواقع نشأت بالتالي مصداقية لما تطرحه من آراء وتحليلات حول مختلف القضايا العربية والدولية. ولكن منذ بداية الأزمة في سورية ونحن، معظم القراء السوريون (يمكن للمرء أن يقوم بإجراء مسح سريع لتعليقات القراء السوريين على ما تنشره الصحيفة)، نتابع باستغراب تعاطي هذه الصحيفة معها وكأنها تجري في أفريقيا وليس في دولة مجاورة (ولن أقول عربية أو شقيقة) بحيث لم نقرا لحد الآن ما يبرهن ان صحيفة الأخبار هي وسيلة إعلامية محايدة مما جعلنا نستتبع ذلك بالتدقيق في ماهية هويتها ورسالتها الاعلامية الجديدة.
-
ع نفس الحكيالتخلف الإعلامي السوري سبب في تأجيج الأزمة بالإضافة إلى التقدم الإعلامي الغير سوري . هما مشكلتان فقط بشأن الأزمة في سوريا , المشكلة المذهبية و الطائفية , والخوف من التدخل الأجنبي.
-
للأسف اصبح الحفاظ على الكرسيللأسف اصبح الحفاظ على الكرسي اهم من الحفاظ على الوطن، منذ سنوات ونظام"المقاومة والممانعة" يتخلص عن وعي ودون وعي من كل من كان له مواقف مشرفة من القضية الام، قضية فلسطين، اذكر هنا مواقف جاك شيراك خلال زيارته القدس واللتي صفق لها الكثيرين، ومن ثم مواقف اردوغان اللذي اعاد تركيا الى مكانها المساند للعرب، لقد اصبحت كلمة الصدق كلمة عدوة وكلمة النفاق كلمة صديقة، هل يستحق الحفاظ على الكرسي التضحية بالاوطان؟؟؟؟؟؟؟
-
صح صحنتفق مع كاتب المقال بأن هناك معدل قياسي من سوء الفهم التركي في طريقة التعامل مع الشأن التركي والمؤسف أن المجموعة الحاكمة في تركيا الآن جديدة تماما على الحكم والسياسة وبالتالي فمن سوء حظ سوريا أن يتعلم أردوغان وجماعته ما هو صحيح في العلاقات بين الدول من خلال تجربته السلبية في التعاطي مع الشأن السوري فمن يريد مصلحة سوريا حقاً لا يوجه الخطابات للرئيس الأسد أمام عشرات ألوف الأتراك وأمام عدسات الجزيرة الممتازة في سوء فهمها للشأن السوري والسؤال الهام هنا ليس في كيفية تعاطي التركي مع الشان السوري بل ترى لو أن الأمر كان معاكساً ووجه الأسد خطابات إعلانية علنية لأردوغان يقول له فيها عليك أن تتغير وتتعلم فماذا كان سيكون عندها رد الفعل التركي. للصحافة السورية كل الحق في هجومها على نظام الحكم في تركيا لأننا كسوريين تفاجأنا جداً بأسلوب الخطاب المختلف تماما عما عهدناه لدى أردوغان. ملاحظتان أخيرتان: إسرائيل سلمت تركيا الأسبوع الماضي أخر وأدق جوانب صفقة سلاح كانت معلقة لفترة طويلة بين الطرفين. ولم نسمع أي تعليق ناري إسلامي أو علماني أو ليبرالي من أردوغان تجاه ما حدث على الحدود مع إسرائيل فأين ذهب صوت صاحب الحنجرة الماسية اليوم؟؟؟؟!