لا يزال حديث العقوبات الأوروبية التي اتُّخذَت بحق مجموعة من كبار المسؤولين السوريين، يحتل الحيّز الأكبر من النقاش في الشأن السوري، مع دخول هذه العقوبات حيّز التنفيذ ابتداءً من يوم أمس. في هذا الوقت، أكّدت بعض مصادر المعارضة السورية أن ليلة أول من أمس شهدت بعض التحركات الاحتجاجية في بعض المدن، في ظل تقدير البعض وصول عدد الضحايا الذين سقطوا منذ بدء التحركات الشعبية إلى 1100 على الأقل.
كل ذلك في ظل استمرار الكباش الدولي على كيفية التعاطي مع الشأن السوري، في ظل تلميح أميركي ـــــ أوروبي غير مباشر إلى احتمال استخدام القوة ضد «الأنظمة التي تقتل شعوبها»، وسط معارضة صينية لأي تدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.
ودخلت أمس العقوبات الجديدة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على النظامين السوري والليبي حيّز التنفيذ، بالتزامن مع نشر أسماء المسؤولين السوريين في الجريدة الرسمية التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي شملت 10 شخصيات سورية، هم: الرئيس بشار الأسد، ونائبه فاروق الشرع، ونائب رئيس هيئة الأركان آصف شوكت، ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري هشام اختيار، ونائب الرئيس السوري لشؤون الأمن القومي محمد ناصيف خير بك. ومن بين الشخصيات أيضاً رجل الأعمال محمد حمشو، صهر شقيق الرئيس الأسد، وإياد مخلوف ابن خالة الرئيس، والمستشار الرئاسي للشؤون الاستراتيجية بسام الحسن، ورئيس هيئة الأركان المسلحة داوود راجحة ونائب رئيس شركة «سيريا تل» إيهاب مخلوف. وسبق أن فرض الاتحاد عقوبات على 13 شخصية سورية، أبرزهم قائد اللواء المدرع الرابع ماهر الأسد، ومدير الاستخبارات علي مملوك، ووزير الداخلية محمد إبراهيم الشعار، ورجل الأعمال رامي مخلوف، ورئيس الاستخبارات العسكرية عبد الفتاح قدسية.
وفي السياق، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على شركات مرتبطة بأعمال تجارية مع إيران وسوريا وكوريا الشمالية، تدعم إنتاج أسلحة دمار شامل أو صواريخ. وصرّح مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، جيمس شتاينبرغ، أن العقوبات تستهدف 16 كياناً أجنبياً، هي صينية وبيلاروسية وإيرانية وكورية شمالية وسورية وفنزويلية.
وفي لندن، حذّر الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون من استخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر، لحماية الناس من «الأنظمة الاستبدادية» في العالم العربي. وكتب أوباما وكاميرون، في مقال مشترك نشرته صحيفة «التايمز»، «لن نقف مكتوفي الأيدي بينما يجري سحق تطلعات الناس بوابل من القنابل وطلقات الرصاص وقذائف الهاون، ونحن نتردّد في استخدام القوة، ولكن نعرف أن لدينا مسؤولية التحرك حين يتعلق الأمر بمصالحنا وقيمنا». وتابعا «سنقف إلى جانب الساعين إلى جلب الضوء إلى الظلام، وندعم الذين ينشدون الحرية بدلاً من القمع، ونساعد العاملين على وضع لبنات بناء الديموقراطية». وتعهد أوباما وكاميرون في مقالهما المشترك بـ«الضغط من أجل نشر الديموقراطية في جميع أنحاء العالم العربي، واللجوء إلى القوة العسكرية، إذا لزم الأمر، ضد الأنظمة التي تقتل شعوبها وتستخدم العنف لتبديد آمال مواطنيها بالحرية».
كلام ردّت عليه الصين، بطريقة غير مباشرة، عبر إعلانها رفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لسوريا. ونقلت وسائل إعلام صينية عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية، جيانغ يو، قولها إن «الصين تعارض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لسوريا، وتتوقع من المجتمع الدولي القيام بدور بنّاء في هذا الخصوص». وأضافت أن «مستقبل سوريا يجب أن يحدده الشعب السوري بنفسه»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن بكين تتوقع من دمشق أن «تحل الاختلافات وتحافظ على الاستقرار الوطني من خلال الحوار السياسي الذي هو السبيل الصائب للتعامل بطريقة مناسبة مع الوضع الحالي في الشرق الأوسط».
بدورها، قالت المنظمة السورية لحقوق الإنسان (سواسية) إنّ قوات الأمن السورية قتلت 1100 مدني على الأقل خلال شهرين. ولفتت المنظمة إلى أن لديها أسماء 1100 شخص يعتقد أنهم قتلوا، أغلبهم في منطقة سهل حوران التي تضم مدينة درعا التي انطلقت منها موجة الاحتجاجات الشعبية. وقالت إن عدد القتلى ارتفع ارتفاعاً كبيراً مع ازدياد أعداد المحتجّين في الشوارع وانتشار الاحتجاجات من الجنوب، «ما دفع الجيش إلى شنّ حملة لقمعها». وتابعت المنظمة التي أسسها المحامي الناشط في حقوق الإنسان مهند الحسني، المسجون حالياً، أن لديها تقارير عن 200 مدني آخر قتلوا، لكن ليس لديها أسماؤهم. في المقابل، أعطى رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان عمار قربي رقماً قريباً لأعداد القتلى وهو 1062 شخصاً، إضافة إلى اعتقال 10 آلاف منذ بدء التظاهرات. وأوضح قربي أنّ في حوزته لائحة بأسماء القتلى وأمكنة إصاباتهم، وأن «الوفاة كانت ناتجة من الإصابة بطلق ناري». أما عدد المعتقلين، فأكد أنه وصل إلى 10 آلاف شخص، إضافة إلى «نزوح نحو 30 جريحاً من شمال إدلب (غرب البلاد) إلى أنطاكيا في تركيا للعلاج، «بينهم اثنان في حالة خطرة».
من جهة ثانية، أكد الرئيس السوري بشار الأسد، لنظيره الروسي ديمتري مدفيديف، في اتصال هاتفي أمس، عزمه على الاستمرار في محاربة القوى «المتطرفة والأصولية»، حسبما جاء في بيان للكرملين.
وذكر بيان الكرملين أن «بشار الأسد أعلن أن المسؤولين السوريين يفعلون ويواصلون فعل كل ما بوسعهم للسماح للمواطنين السوريين بحرية التعبير».
وأضاف المصدر نفسه: «في الوقت نفسه ليس في نية سوريا السماح بتحرك الجماعات المتطرفة والأصولية».
من جهته، دعا مدفيديف نظيره السوري إلى بدء «حوار واسع مع الرأي العام». وفي إطار التطورات الميدانية، أكّدت مواقع إلكترونية تابعة لجهات سورية معارضة أنّ مئات المتظاهرين في حي صلاح الدين وسط مدينة حلب، ثانية كبرى المدن السورية، تظاهروا أول من أمس، وهتفوا بالحرية وبإسقاط النظام السوري. وبحسب المصادر نفسها، فإنّ مدن حمص وريف دمشق وإدلب وريفها شهدت بدورها تظاهرات ليلية تطالب بالحرية وبإسقاط النظام.
أما على صعيد الإجراءات الحكومية السورية، فقد أعلن معاون وزير الداخلية السوري، العميد حسن جلالي، أن عدد الطلبات المقدمة من قبل الأكراد للحصول على الجنسية، وصل حتى يوم الثلاثاء إلى 32000 طلب، مطمئناً إلى أن أمانات السجل المدني تعمل على إنجازها. وقال جلالي لوكالة الأنباء السورية «سانا»، إن «كل طلب من هذه الطلبات يتضمن مجموع أفراد أسرة المتقدم».
كذلك أفصح عن استمرار عملية منح توزيع البطاقات الشخصية للذين أنجزت معاملاتهم، إذ «جرى منح 1007 بطاقات شخصية لأصحاب الطلبات التي جرى استكمال ثبوتياتها وعرضها على اللجان المؤلفة من قبل أمانات السجل المدني في هذا الشأن». تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة السورية تقدّر عدد الذين سيُمنحون الجنسية بنحو 100 ألف، بينما يقدّر الأكراد الرقم بحدود 200 ألف.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)