مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات المطالبة بتنحّي الرئيس علي عبد الله صالح، أعرب اليمنيون عن أملهم في أن يحمل رحيله الحل للعديد من الأزمات التي أتقن نظامه إنتاجها طوال سنوات حكمه الممتدة لأكثر من 33 عاماً، قبل أن تعيد الاشتباكات المتواصلة منذ اول من أمس في صنعاء بين قوات من الجيش اليمني، وعناصر موالية للشيخ صادق الأحمر، المخاوف من مخاطر انزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية، وتأجيج المشاكل خصوصاً في الجنوب. وفيما يترقب سكان المحافظات الجنوبية التطورات العسكرية في الشمال، وهم يشاهدون حلفاء الأمس الذين خاضوا الحرب على الجنوب وقد انقلبوا بعضهم على بعض ليتقاتلوا في ما بينهم، يبدو أن بعض القيادات السياسية المؤيدة لفك الارتباط، اكثر استعداداً للمضي قدماً في خيارها، متى ما وصلت التطورات الأمنية إلى نقطة اللاعودة لأن الأزمة بين شطري البلاد «أزمة وحدة أثبتت فشلها وليست فقط أزمة مع علي عبد الله صالح».لذلك لم يستبعد رئيس مجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب في محافظة لحج، ناصر الخبجي، إذا تدهورت الأوضاع في الشمال، أن يلجأ الجنوبيون إلى اعلان دولتهم على الرغم من تأكيده أن هذه الخطوة لا يمكن أن تحصل الا في إطار مراعاة مواقف الأطراف الإقليمية والدولية واستعدادها لتقبلها.
ومن هذا المنطلق، يرى الخبجي في حديث مع «الأخبار» أن الجنوبيين هم أقدر الفئات على أن يراعوا مصالح الغرب، ولا بد من تأييد قضيتهم، في إشارة غير مباشرة إلى موضوع التعاون في مكافحة الارهاب، وتنظيم القاعدة الذي يتخذ من بعض المناطق الجنوبية مأوى له. وأضاف أن ما يحدث في صنعاء ليس بالمفاجئ، بل على العكس من ذلك، «متوقع لأنه ناتج من العقلية القبلية لرأس النظام وأعوانه، وسبق أن حصل هذا الأمر في الجنوب، وانتهى الأمر إلى احتلاله»، وأكد أن الجنوبيين لن يقدموا، أقله في هذه المرحلة، على ارتكاب أي «حماقات»، بما في ذلك إسقاط المقار الرسمية على الرغم من سهولة هذه الخطوة، مشدداً في الوقت نفسه على أن العمل السلمي يأتي في الدرجة الأولى، ولن يصار إلى اللجوء إلى الخيار العسكري، إلا اذا دعت الحاجة، وفي إطار الدفاع عن النفس.
كذلك يبدو الخبجي مطمئناً إلى أن الحرب، إذا اتسعت رقعتها، لن تشمل اقتتال الجنوبيين في ما بينهم، على أساس أن القضية مختلفة «فهي قضية أرض ووطن وتحرير»، وليس هناك من أطراف جنوبية تناصر الأفرقاء التي تتنازع في صنعاء.
لكنن الهاجس الأكبر، وفقاً لما يوضح الخبجي، يتمثل في امكانية تصارع ألوية الجيش الموجودة في الجنوب في ما بينها إذا تدخل الجيش طرفاً في المعارك، حيث الألوية الموجودة في الجنوبي منقسمة بين الرئيس اليمني علي عبد الله صالح واللواء علي محسن الأحمر الذي اعلن انضمامه إلى الحركة الاحتجاجية. وإلى جانب عدن، حيث تنتشر أعداد كبيرة من الجيش اليمني، يرى الجنوبيون أن منطقة ردفان مرشحة لأن تشهد معارك بسبب وجود لواء يتبع لعلي عبد الله يقابله لواء لعلي محسن الأحمر.
وموقف بعض الجنوبيين المؤيد لفك الارتباط لا يرضي العديد من اليمنيين، وبينهم الصحافي محمد المقالح، الذي دعا في حديث مع «الأخبار» أمس القيادات الجنوبية المؤيدة لفك الارتباط إلى إعادة قراءة الخريطة الجنوبية جيداً وتحديداً في المدن التي انخرطت في الثورة بما في ذلك عدن والمكلا.
وفي السياق، يوضح المقالح أن المطلوب في هذه اللحظة المصيرية التي يعيشها اليمن قراءة القضية الجنوبية المحقة، من منطلق أنها ازمة يمنية. أما الذين يريدون النأي بها خارج اليمن، فهم يريدون من وجهة نظره الإضرار بها، ويعملون على إلغاء ذاكرة الجنوب بطريقة «أصلف» من تلك التي لجأ اليها النظام اليمني.
من جهة ثانية، يشدد المقالح على ضرورة عدم الانجرار وراء الأفكار النمطية التي كرستها السلطات، بمساعدة البعض، عن اليمنيين، بما في ذلك تلك المرتبطة بالحوثيين، الذين يعدّهم البعض ثاني أكبر تحدّ يواجه النظام اليمني بعد القضية الجنوبية.
وفي السياق، يقلل المقالح من المخاوف من أي خطوات تصعيدية سياسية، قد يلجأ إليها الحوثيون إذا تطورت الاوضاع الأمنية في اليمن، مؤكداً أن الحوثيين «ليس لديهم مشروع انفصال، ولا امكانية لتحقيق ذلك حتى لو أرادوا». وأوضح المقالح أن الحوثيين يملكون القرار في غالبية المحافظات التي تقع شمال العاصمة وليس فقط في محافظة صعدة، وهم على رغم ذلك اعلنوا مراراً تمسكهم بالدولة وآلياتها، وحافظوا على مؤسسات الدولة. لذلك عندما اضطروا إلى تعيين محافظ جديد لصعدة لجأوا إلى اعتماد آليات التشاور قبل اتخاذهم القرار، على عكس ما حصل في الأماكن البعيدة عن الحوثيين، والتي أسقطت حيث تعرضت للنهب والحرق والسرقة.
ومن هذا المنطلق، رأى المقالح أن الحوثيين باتوا يمثّلون اليوم متغيراً حقيقياً في الساحة اليمنية، وأثبتوا أنه «ضمان حقيقي لعدم استفراد أي طرف على الساحة اليمينة» بعدما برزوا معادلاً موضوعياً للقوى الموجودة من قبل، والتي تعد طرفاً أساسسياً في الصراع الذي تشهده البلاد اليوم.