في وقت تراجعت فيه حدّة التظاهرات المطالبة بالإصلاح في سوريا، قرر الاتحاد الأوروبي أمس تشديد العقوبات على النظام السوري وتوسيعها لتشمل مسؤولين إضافيين، بينهم أعلى مستوى في القيادة، وذلك في إشارة ضمنية إلى الرئيس بشار الأسد، أملاً بـ«وقف العنف وحضّ الأسد على القبول بآلية إصلاح، لا إرغامه على التنحّي»في عقوبات هي الثانية من نوعها منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا، فرض الاتحاد الأوروبي أمس سلسلة جديدة من العقوبات على النظام السوري، بعدما وسّعها لتشمل الرئيس السوري بشار الأسد، إضافة إلى أسماء عشرة مسؤولين سوريين آخرين. وذكر مصدر دبلوماسي لوكالة «فرانس برس» أن العقوبات التي تأتي بعد أيام من فرض الولايات المتحدة عقوبات على النظام، تتضمن تجميد أرصدة الرئيس السوري بشار الأسد ومنعه من الحصول على تأشيرات دخول، مشيراً إلى أنه بمقتضى هذه العقوبات سيُنشر اسم الرئيس السوري إضافة إلى أسماء عشرة مسؤولين سوريين آخرين في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي.
كذلك قرر الاتحاد الأوروبي تعليق كل الاستعدادات لبرامج تعاون جديدة وتعليق كل البرامج المشتركة مع السلطات السورية، مشيراً إلى أن الدول الأوروبية على استعداد لمراجعة علاقاتها الثنائية مع سوريا، إضافة إلى توقف الاتحاد عن اتخاذ خطوات جديدة في ما يتعلق باتفاق الشراكة مع دمشق.
وفي ختام اجتماعهم، أصدر وزراء خارجية الاتحاد بياناً حذروا فيه من أن الاتحاد الأوروبي مصمّم على «اتخاذ إجراءات إضافية من دون تأخير إذا اختارت القيادة السورية عدم تغيير نهجها الحالي بسرعة»، في وقت جدد فيه الاتحاد إدانته الشديدة «للقمع المستمر في سوريا والعنف غير المقبول من الجيش وقوات الأمن تجاه متظاهرين سلميين»، مطالباً بمحاسبة المسؤولين عنه.
كذلك أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من الحصار العسكري الذي تخضع له بعض المدن مثل درعا وبانياس وحمص، ودعا السلطات إلى تلبية مطالب الشعب السوري المشروعة من خلال إطلاق حوار حقيقي وشامل، وإجراء إصلاحات جدية من دون تأخير، بموجب جدول زمني محدد. كذلك دعا السلطات السورية إلى السماح لبعثة مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بالعمل في البلاد، وطالب بالإفراج عن المعتقلين.
وقبيل فرض قرار توسيع العقوبات، قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ «إنّ من المهم ضمان الحق في التظاهر السلمي والإفراج عن المعتقلين السياسيين وسلوك درب الإصلاح، لا القمع في سوريا، خلال الأيام المقبلة».
من جهته، أوضح وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي، أنه كان يمكن الأسد تفادي هذه العقوبات لو سلك طريق الإصلاحات. وأضاف: «لم يختر هذا النهج. إنه يواصل قمع المعارضين المسالمين بعنف. لذا، علينا أن نوسّع هذه العقوبات بحيث تشمل الرئيس الأسد». بدورها، حثّت وزيرة الخارجية الأوروبية، كاثرين آشتون، الحكومة السورية على التحرك الفوري، مشيرةً إلى أن الدول الأوروبية امتنعت عن تشديد موقفها أكثر حيال الرئيس السوري، على أمل أن يعمد إلى إجراء «إصلاحات سياسية حقيقية وشاملة». كل ذلك على وقع دعوة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، من لندن، الحكومة السورية إلى «إنهاء أعمال القتل»، مشيرة إلى أن حصيلة القتلى في سوريا «وصلت إلى نحو ألف شخص». وقالت كلينتون، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها البريطاني وليام هيغ، «هذه الوحشية لا بد أن تتوقف، ولا بد لآمال الشعب المشروعة من أن تحترم». وأضافت أن «وزير الخارجية هيغ وأنا متطابقان تماماً بشأن رسالتينا إلى حكومة الأسد»، موجهة رسالة إلى القيادة السورية مفادها «أوقفوا القتل والتعذيب والاعتقالات، وأطلقوا سراح كل السجناء السياسيين والمحتجزين. ابدأوا بالاستجابة للمطالب المستحقة عليكم من أجل عملية تغيير ديموقراطي شامل وموثوق».
في غضون ذلك، دعا الناشط الحقوقي البارز أنور البني، إلى إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي في السجون السورية. وأكد البني، غداة الإفراج عنه بعدما سجن في عام 2006 مع تسعة معارضين آخرين، أن «إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والضمير وإغلاق ملف الاعتقال السياسي هما مطلب ملحّ وضروري».
وعن الأحداث التي تشهدها سوريا منذ منتصف آذار، أشار البني إلى أن من المبكر بالنسبة إليه تكوين فكرة شاملة عمّا حدث، وخصوصاً أن وجوده في السجن لم يسمح له بمتابعة الأحداث على نحو شامل، إلّا أنه رأى أن «سوريا تعيش مرحلة مفصلية، وهناك مخاطر كبيرة تهدد البلد». وأضاف: «إن ما نشهده تاريخي. فحدث كهذا لا يحصل إلّا كل 200 عام، ومن الواضح أن ذلك سيولّد تغييراً ضخماً». وأدان «العنف من حيثما أتى، وخاصة عندما يكون موجّهاً نحو مدنيين عزل»، داعياً إلى «اتباع الحلول السلمية لكل المشاكل».
في هذه الأثناء، واصل التلفزيون السوري بثّ اعترافات «مجموعات إرهابية مسلحة»، متهماً إياها بأنها تقف وراء أعمال العنف في البلاد.
وقال علي زيدان الناصر، الذي عرّفه التلفزيون بأنه زعيم جماعة إرهابية تعمل في درعا، إن الجماعة صنعت قنابل باستخدام مسامير ومواد كيميائية، فيما كشف عبد القادر الزير عن أنهم حصلوا على السلاح من طريق لبنان.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)



الاعتصام التضامني الثالث لبنانيّاً

أمس، حلّ وائل القاق وأحمد بياسة، وغيرهما من المعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة في سوريا، ضيوفاً على بيروت. فللمرة الثالثة، نظّم ناشطون في المجتمع المدني اللبناني «اعتصاماً تضامنياً مع شهداء سوريا». وللمرة الثالثة أيضاً قوبل اعتصامهم بحشود «مضادة». لكن المفارقة، أمس، كانت في ارتفاع عدد المناهضين للنظام (تخطّى مئة متضامن)، فيما برز موقف متميّز لمناصري الحزب السوري القومي الاجتماعي. وفي السادسة، بدأ المعتصمون التجمع على مقربة من مصرف لبنان بثيابهم السوداء، حداداً على أرواح الضحايا، حاملين الورود واللافتات المنددة بالنظام، فيما اصطفّ مناصرون لأحزاب «البعث» و«المرابطون» و«الاتحاد» قرب تقاطع وزارة الإعلام، حاملين صور الرئيس السوري بشار الأسد. وبدا موقف «القومي» الوسطي لافتاً، من ناحية اختيار التجمع أولاً (بين المعارضين والموالين)، ومن ناحية آراء المشاركين، إذ أكد مناصروه أنهم مع الشعب السوري، ومتضامنون مع «جميع الضحايا الذين سقطوا مدنيين وعسكريين»، معبّرين عن رفضهم لـ«المؤامرة».
وفي ضوء الحضور الكثيف لعناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي، سارت الأمور بصمتٍ في المقلب المعادي للنظام، حيث اكتفى المعتصمون في هذا الجانب برفع لافتات كُتب عليها «الحرية آتية رغم المجزرة»، وبصخبٍ في المقلب الآخر الذي ضجّ بالشعارات المؤيّدة للأسد، والشتائم للملك السعودي.
(الأخبار)