أكدت وكالات الأنباء، مساء أمس، مقتل ستة يمنيين، بينهم خمسة مسلحين قبليين معارضين لنظام الرئيس علي عبد الله صالح، وإصابة 39 آخرين بجروح، في مواجهات عنيفة دارت في صنعاء بينهم وبين قوات الأمن. اشتباكات دفعت بالسفارة الأميركية في صنعاء إلى إغلاق القسم القنصلي فيها أمام الجمهور لمدة يومين على الأقل لدواع أمنية. وقالت السفارة في بيان إنه «بسبب الوضع الأمني الهش في المدينة، أُغلق القسم القنصلي أمام الجمهور يومي الثلاثاء والأربعاء، وستُقدَّم الخدمات الطارئة للمواطنين الأميركيين فقط».
ونجح صالح في كسب المزيد من الوقت لإبطاء ساعة رحيله عن كرسي الحكم المتربع عليه منذ ما يزيد على 33 عاماً بعد إعلان مجلس التعاون الخليجي تعليق المبادرة الخليجية، وسط تزايد المخاوف من استغلال النظام للوقت الضائع لجر البلاد نحو حافة حرب أهلية. المعطيات الآتية من اليمن تنذر بأن النظام يسعى إلى نشر الفوضى في البلاد انطلاقاً من العاصمة صنعاء. فالبلطجية باتوا ينتشرون في الشوارع، ولا يتوانون عن ترويع المواطنين بعدما نجح النظام في تقسيم العاصمة إلى مربعات. أما السلاح، فيبدو أن النظام يهيئ الظروف لاستخدامه متى ما حانت اللحظة المناسبة. وما تسرب حتى الآن من وثائق يكشف عن توزيع القوات الأمنية التابعة لصالح الأسلحة على مناصري حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، بالإضافة إلى ارقام سيارات مزورة استعداداً لعمليات تخريب، فيما جاءت الاشتباكات امس بين القوات الأمنية وعناصر حراسة زعيم قبائل حاشد، الشيخ صادق الاحمر، لتزيد المخاوف من سيناريو كارثي يعدّ له صالح بعدما لوّح بالحرب الأهلية، في انعكاس لحجم المأزق الذي يواجهه بعدما خسر كل الأرواق التي كان يمتلكها في محاولة الحفاظ على حكمه.
الرئيس اليمني كان يعول على نجاح خطته في محاصرة السفراء العرب والغربيين في مقر السفارة الإماراتية لدفعهم إلى سحب المبادرة الخليجية احتجاجاً على الإهانة التي تعرضوا لها، في ظل إدراكه أن مسرحية محاصرة الجماهير للسفارة رفضاً لتنحّي صالح لن تقنع أحداً. لكنّ إصرار السفراء على الوصول الى القصر الرئاسي من خلال طائرة هليكوبتر وضع الرئيس اليمني امام مأزق لم يستطع أن يتنصل منه كلياً، ما دفعه إلى الإيعاز لممثلي حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وشركائه التوقيع على المبادرة، فيما قرر الامتناع عن التوقيع بصفته رئيساً للجمهورية، واضعاً المزيد من الشروط المعرقلة، ومستنداً في ذلك إلى أن الدول الخليجية مهما بلغت درجة استيائها لن تصل الى اتخاذ موقف يطالبه بالرحيل الفوري، نظراً لحساباتها الأمنية والسياسية.
وهو ما ثبتت صحته مع إعلان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مواصلة جهودهم لنزع فتيل الأزمة اليمنية، رغم تعليقهم المبادرة بهدف «إعطاء الرئيس اليمني فرصة لإنهاء مسألة انتقال السلطة».
رغم ذلك، يدرك صالح أن استفزاز الدول الخليجية إلى ما لا نهاية ستكون له عواقب. وهو ما دفعه إلى محاولة الالتفاف على ما اقترفت يداه، من خلال المسارعة إلى الاتصال بالرئيس الإماراتي، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وتقديم اعتذاره عمّا تعرضت له السفارة الأميركية في صنعاء.
وفي موازاة الموقف الخليجي، يستمر الموقف الأميركي المتردد في منح صالح فرصة المناورة، ولا سيما أن الامتعاض الأميركي من صالح في العلن لم يترجم مقاطعة له، بعد توفر معلومات عن زيارة سرية لمسؤولين أميركيين جرى خلالها تداول مسائل مرتبطة بعمليات مكافحة الإرهاب.
(الأخبار)