القاهرة | بات المجلس العسكري المصري الحاكم في موقف لا يُحسد عليه. فحامي حمى الثورة في مرمى نيران قذائف التدوين و«الفايسبوك» و«تويتر». وقد لاقت الدعوة التي أطلقها عدد من المدوّنين إلى إعادة تقويم أداء المجلس خلال المرحلة الماضية، استجابةً واسعة. أصبح العسكر في أزمة، والدعوة إلى تظاهرة في 27 من الشهر الجاري تنتشر بسرعة، كما أن النقد الموجَّه ضد سلوكه لاذع، أضف إنّ الدعوة جاءت نتيجة لما عدّه المدونون «تحفظاً» من جانب وسائل الإعلام، الرسمية منها خصوصاً، على توجيه أي انتقاد إلى المجلس، استناداً إلى كونها لم تعتد بعد انتقاد السلطة، إضافةً إلى رفض الصحف والقنوات الفضائية توجيه أيّ انتقاد إلى المجلس بحجة مراعاة الظروف التي تمر بها مصر. «لا تهدف الدعوة إلى الهجوم على المجلس العسكري، بقدر ما هي نقد بنّاء، انطلاقاً من حقنا الإنساني في حرية التعبير والرأي والفكر، وحقنا في انتقاد السلطة الحاكمة مهما كانت». هكذا، لم ينسَ المدونون تأكيد احترامهم للقوات المسلحة، على قاعدة أن هذا لا يعني الصمت تجاه ما يرونه «انتهاكاً لحقوق» استعادتها الثورة، وفي مقدمتها الكرامة. جيمي هود، أحد أشهر المدونين في مصر، استجاب للدعوة، وكتب على مدونته، أمس، عبارات قصيرة تلخّص ما يشعر به، وهو المشارك في الثورة من يومها الأول: «أنا مواطن مصري خائف من بطش المجلس العسكري. أنا مواطن مصري غير قادر على التعبير ولا على الاعتراض. غير قادر على الانتقاد. أنا مواطن خائف، مروَّع، تحت الترهيب. أنا مواطن قد أواجه الاعتقال والتعذيب والمحاكمة العسكرية بعد كتابة رأيي. أنا مواطن فاقد الأهلية في بلدي حتى بعد الثورة». هذه التدوينة كانت محور المناقشات التي جرت أمس بعد مرور مئة يوم على ثورة 25 كانون الثاني. مناقشات دارت في معظمها حول انفراد العسكر بالقرار، وعدم التفاته إلى المطالب الشعبية، وإصرار قادة المجلس على السير في طريق النظام السابق.
على كل حال، هذا ما اتضح في مدوّنة «هلاوس مقروءة» التي اشتكى صاحبها من «قوانين بتطلع من غير ما يتّاخد رأي المجتمع ومعظمها ضد الثورة». حتى إنّ صاحب هذه المدونة تطرق إلى الحديث عن الفتنة الطائفية في إمبابة، منتقداً دور الجيش أيضاً على قاعدة أنه في ماسبيرو «جيشنا الهمام ساب المعتصمين، هم اللي يتعاملوا مع البلطجية اللي كانوا بيضربوهم». معظم النقد الموجه إلى قادة المجلس العسكري ينصبّ على إقصاء الناس عما يجري في البلاد، ووصف كل من يعترض على قرارات المجلس بـ«قوى الشر والظلام». ليس هذا فحسب، فهناك أسلوب لجأ اليه العسكر في الفترة الأخيرة وهو إطلاق «بالونات الاختبار اللي بتطلع كل يومين تقريباً، بيحاولوا يزهقونا لحد ما نقول اعملوا اللي انتوا عاوزينه».
معظم الانتقادات ركزت على ما حدث مع شباب الثورة فى ميدان التحرير يوم 9 آذار الماضي، والانتهاكات الجسدية التي مورست ضدهم من أفراد الشرطة العسكرية، وما تعرضت له الفتيات من انتهاك تمثّل في إجراء كشوف عذرية، ومثول الثوار وعدد من الشباب أمام محاكم عسكرية بالتزامن مع محاكمة قادة النظام السابق أمام القضاء العادي، إضافةً إلى شهر قانون مكافحة البلطجة في وجه من يتعرض للمجلس وقادته بأيّ نقد.
أكثر من مئة مدوّن قالوا كلمتهم في أداء المجلس العسكري، معظمهم يرى أن العسكر هم الامتداد الطبيعي والموضوعي لنظام حسني مبارك، مع اختلاف التفاصيل التي تتركز في حديث متواصل من بعض جنرالات الجيش في تطمين شباب الثورة والتيارات السياسية بين حين وآخر إلى أنهم لا يريدون حكم مصر، بل قيادة فترة انتقالية لتسليم السلطة إلى قوى منتخبة.
وفي السياق، هاجم المجلس العسكري، في بيان له، أمس، «المحرضين على بعض قيادات المجلس الأعلى بغرض إحداث الفتنة والوقيعة بين الجيش والشعب»، وهو البيان الذي تعرض لانتقاد الجميع. يبدو المجلس مرعوباً من الدعوة إلى تظاهرة يوم الجمعة، وخصوصاً بعد تأكيد عدد كبير من النشطاء أن رصيد الجيش لدى الشعب أوشك على النفاد.