بعد أيام من الهدوء، استعادت التظاهرات المطالبة بالإصلاح في سوريا زخمها، وعادت معها الأنباء عن سقوط قتلى في عدد من المحافظات، فيما أقرّت وزيرة الخارجية الأميركية بعدم وجود «شهية» لدى المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات أكثر قسوة في سورياعاد المحتجّون السوريون، أمس، إلى الشوارع، حيث خرج آلاف في عدة مدن للمطالبة بإطلاق الحريات، فيما تضاربت الأنباء بشأن عدد الضحايا الذين سقطوا خلال المواجهات مع القوى الأمنية. وتحدثت وكالة «أسوشييتد برس» عن سقوط 9 قتلى على الأقل، سبعة منهم في حمص، فيما نقلت «فرانس برس» عن ناشطين قولهم، إن 27 متظاهراً قضوا في عدد من المناطق.
وأورد ناشطون من مختلف المحافظات السورية أسماء 10 قتلى، بينهم طفل في حمص (وسط) وسبعة في معرة النعمان، جنوب إدلب، كذلك قُتل شخص في مدينة الصنمين وآخر في مدينة الحارة الواقعتين في ريف درعا جنوب، وشخص في داريا، في ريف دمشق. في القمابل، نقلت وكالات الأنباء العالمية عن شهود وناشطين تأكيدهم وصول عدد القتلى إلى 34 على الأقل. ونقلت «فرانس برس» عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتّخذ من لندن مقرّاً له، قوله إن «آلاف المتظاهرين خرجوا في مدينة بانياس الساحلية (غرب) بينهم أطفال ونساء عراة الصدور ليبينوا للعالم أنهم غير مسلحين خلافاً لاتهامات النظام لهم»، فيما أعلن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أن حصيلة ضحايا الاحتجاجات في سوريا وصلت إلى 804 مدنيين، و134 من الجيش وقوى الأمن منذ اندلاعها في منتصف آذار.
أما وكالة «رويترز»، فنقلت عن المحامية رزان زيتونة قولها إن قوات سورية مدعومة بالدبابات دهمت بلدة معرة النعمان في شمال غرب البلاد لتفريق متظاهرين يطالبون بالديموقراطية، مشيرةً إلى أنّ ما لا يقلّ عن عشرة مدنيين لم تُعرف أسماؤهم قتلوا. من جهة ثانية، أفاد رئيس اللجنة الكردية لحقوق الإنسان (راصد)، رديف مصطفى، وكالة «فرانس برس» بأن «المئات خرجوا في عين العرب (شمال غرب) التي يغلب سكانها الأكراد وهم يهتفون أزادي»، ومعناها الحرية.
ولفت مصطفى إلى أن الحضور الأمني كان خفيفاً، مؤكداً أن قوى الأمن لم تتدخل «بل اكتفت بالمراقبة والتصوير»، فيما أعلن الناطق باسم حزب الوحدة الديموقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) زردشت محمد، في اتصال مع وكالة «فرانس برس» دهم «دورية من الأمن مكتب المنظمة الأشورية الديموقراطية في القامشلي واعتقال 12 شخصاً».
وفي رأس العين، التابعة لمحافظة الحسكة (شمال شرق)، تجمّع أكثر من 500 شخص أمام منزل عضو اللجنة المركزية لحزب أزادي الكردي، سعدون شيخو، الذي أُفرج عنه أخيراً وهم يهتفون بشعارات تدعو إلى سلمية التظاهر وإلى الوحدة الوطنية، فيما ألقى سعدون كلمة أمام المتظاهرين «حيّا فيها نضال الشعب المطالب بالتغيير الديموقراطي»، وأكّد أنّ «الأحزاب الكردية تقف مع هذه النضالات اليومية المطالبة بالحرية والديموقراطية والكرامة». وبعدما لفت إلى أن الدهم نُفّذ «بعد الانتهاء من تظاهرة القامشلي، التي لم يحتكّ بها رجال الأمن الذين كانوا بكثافة قريباً منها»، انتقد الاعتقالات بقوله «يبدو أن الحوار الذي تنادي به السلطات سيكون داخل السجون لا مع القوى السياسية».
كذلك، أعلن شيخ قراء بلاد الشام العلّامة كريم راجح، استقالته احتجاجاً على التعامل الأمني مع رواد الجوامع. وقال، في خطبة مقتضبة ألقاها أمام المصلّين في جامع الحسن في حي الميدان بدمشق، «إن المساجد لكل الناس لا لفئة دون فئة، وإذا كان الأمن يخاف من أن تخرج هذه الجموع من المساجد، فليتخذ طريقة أخرى، ولا ينتقم من المساجد فيمنع المصلّين من دخول بيوت الله من أجل أن لا يكون هناك تظاهر».
أما في منطقة البوكمال، قرب الحدود العراقية، فأحرق متظاهرون جزءاً من مبنى مديرية المنطقة، ممّا أدّى الى تصاعد دخان كثيف وصل الى السجن الذي ضم العشرات من المساجين. وقال شهود عيان لـ«يونايتد برس»، «إن أكثر من 1000 متظاهر أحرقوا 5 سيارات للشرطة و7 دراجات نارية وجزءاً من مبنى مديرية المنطقة، ووصل الدخان الى السجن، الأمر الذي عرّض حياة عشرات المساجين للخطر ودفع الأهالي الى إخراجهم من السجن». وأصيب عدد من المتظاهرين «بجروح نتيجة المواجهات مع قوات الأمن إثر تدافعهم بعد إطلاق قوات الأمن النار».
وعلى الحدود اللبنانية، استحدث الجيش السوري مواقع في بلدة العريضة المحاذية للحدود مع لبنان، فيما نشر الجيش اللبناني مئات الجنود المعززين بالآليات والملالات على الطريق الممتدة بين معبر البقيعة الحدودي غير الرسمي، ومعبر جسر قمار الرسمي على مسافة نحو كيلومترين.
وفي السياق، ندّدت منظمة هيومن «رايتس ووتش» بتوقيف السلطات اللبنانية لاجئين سوريين عبروا الحدود الى الأراضي اللبنانية هرباً من «العنف والقمع».
في المقابل، أصدرت قيادة الجيش في لبنان بياناً «أكدت فيه أنه لا وجود لجنود سوريين على الأراضي اللبنانية»، وأنّ «ما ذكر عن تسليم الجيش في وقت سابق ثلاثة جنود وجثة جندي رابع من حرس الحدود جاؤوا إثر تعرض مركزهم لإطلاق نار من مسلّحين».
في غضون ذلك، جدّدت سوريا أمس انتقادها للولايات المتحدة، إذ عدّت خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي دعا فيه نظيره السوري بشار الأسد إلى قيادة الانتقال الديموقراطي أو التنحي، بمثابة «تحريض». ورأت وكالة «سانا» أن خطاب أوباما جاء «ليؤكد حقيقة التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية لدول المنطقة في مخالفة فاضحة لشرعة الأمم المتحدة».
من جهة ثانية، قالت صحيفة «البعث» الناطقة باسم الحزب الحاكم «تمخّض الجبل الأميركي فولد فأراً، والخطاب الذي انتظره الشرق الأوسط طوال الأسابيع الماضية خيّب التوقعات كما هو معهود دائماً».
ويأتي الانتقاد السوري للخطاب الأميركي تجاه سوريا في وقت رأت فيه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن عدم اتخاذ خطوات أقسى في حق سوريا، مردّه إلى «عدم وجود شهية على ذلك». وأوضحت في مقابلة مع شبكة «سي بي أس»، «لا شهية على ذلك. لا إرادة. لم نر أي نوع من الضغط مثل الذي رأيناه يتراكم من حلفائنا الأوروبيين في حلف شمالي الأطلسي والجامعة العربية وغيرها لفعل الأمر نفسه الذي فعلناه في ليبيا». وقالت «نحاول أن نكون أذكياء في تقويم كل حالة على حدة»، مشيرةً إلى أن «الأسد قال الكثير من الأمور التي لم نسمعها من زعماء آخرين في المنطقة عن نوع التغييرات التي يريد رؤيتها». وأضافت «قد لا يكون لهذا كله محل دراسة وقد تتاح له (الأسد) فرصة أخيرة».
(أ ف ب، أ ب، يو بي آي، رويترز)