عودة إلى نقطة الصفر بعد ربع قرن من النضال في الأوروغواي، حيث فشلت القوى والفئات التي ترى نفسها ضحايا النظام العسكري، ومن بينها «الجبهة العريضة» اليسارية الحاكمة في الأوروغواي، في خطتها لإلغاء قانون العفو. سقط مشروع «تفسير» قانون العفو في قراءته الثانية أمام مجلس النواب بعدما نجح قبل أربعين يوماً في الحصول على أكثرية مجلس الشيوخ. وكان ينوي المشروع تعطيل مفاعيل بعض مواد قانون العفو الذي أقر عام 1986 للسماح بمقاضاة بعض المجرمين.قانون العفو هذا أُخضع مرتين للاستفتاء الشعبي، المرة الأولى عام 1989 والمرة الثانية عام 2009، بموازاة انتخاب خوسي بيبي موخيكا رئيساً للجمهورية. وفي الحالتين، لم تحصل القوى المطالبة بإلغائه على الأكثرية المطلوبة.
جديد ما بعد الاستفتاء الثاني أن المجلس الدستوري، تعليقاً على قرار من المحكمة الأميركية لحقوق الإنسان، رأى أن بعض مواد القانون غير دستورية ومتناقضة مع التزامات قضائية أخرى للدولة. هنا بدأ التفكير في صفوف «الجبهة العريضة» بوسيلة قانونية للوصول إلى النتيجة نفسها.
ونمت فكرة إعادة تفسير مواد القانون وتعليق العمل بتلك المتناقضة مع الدستور.
الأوروغواي أكثر دول أميركا الجنوبية حزبية وأعرقها. فالبرامج الحزبية مسائل جدية، وكذلك الالتزام الحزبي.
يعدّ إلغاء قانون العفو مطلباً في برنامج «الجبهة العريضة»، وفي اليوم الذي انتخب فيه موخيكا للرئاسة، رفض الناخبون إلغاء القانون. موخيكا أخذ علماً بذلك، إلا أن الجبهة ما برحت تبحث عن جميع الوسائل لإلغاء القانون، وهكذا استقرت ـــــ بعد قرار المجلس الدستوري ـــــ على اللجوء إلى القانون التفسيري.
لقد ذهب القانون إلى المجلس في شباط، ومرّ بـ50 صوتاً مقابل 49 بعدما صوّت كافة نواب الموالاة لصالحه وكافة نواب المعارضة ضده.
وفي نيسان، انتقل القانون إلى مجلس الشيوخ، مفجّراً أزمة في صفوف اليسار مستمرة حتى اليوم، حيث رأى ثلاثة شيوخ أنهم لا يستطيعون التصويت لصالحه.
اثنان غابا، حيث تركا المجال لبديليهما لكي يصوتا لصالحه. أما الثالث، فصوّت ضد، وطرد من صفوف الجبهة. ومرّ المشروع بفارق صوت يتيم. وبقي عليه أن يمر مرة ثانية أمام مجلس النواب لأنه عُدّل أمام مجلس الشيوخ.
صار موخيكا محرجاً: قبل الرئاسة، كان على رأس المبادرة، ولدى انتخابه، وعد باحترام القرار الشعبي.
كذلك وعد بالتزام قرار السلطة التشريعية أياً كان، دون اللجوء إلى حق النقض، وطلب من نوابه التزام القرار الحزبي دون أن يفوته أنّ الالتفاف على الأكثرية الشعبية «معضلة قد تتحول إلى سيف مصلط فوق رؤوسنا»، وهو يعاني تدنياً تدريجياً في شعبيته.
حلّت ساعة الحسم. انسحب أحد نواب «الجبهة العريضة» بعدما كان قد التزم القرار الحزبي في شهر شباط. صارت النتيجة تعادلاً بـ49 صوتاً، وسقط المشروع لأنه لم يحصل على الأكثرية. سيطرد النائب الذي لم يلتزم القرار وسيأخذ الرئيس موخيكا علماً بما لم يحصل. وعد أنصار المشروع بالبحث عن حلول قضائية أخرى للوصول إلى المرجو، واستعاد أهالي الضحايا «مسيرة الصمت» التي بدأوها قبل عشرين سنة وجمّدوها قبل فترة بعدما ظنوا أنهم حققوا مطلبهم العتيد.