السفارة الإسرائيلية: العدو يسكن بيننا


القاهرة | آن للمجنون الجميل «سعد إدريس حلاوة» أن يستريح الآن فى قبره. أول شهيد للتطبيع مع الكيان الصهيوني لم يذهب دمه هدراً. ردّ إليه الشباب المصري الاعتبار، عندما تظاهروا أمام السفارة الإسرائيلية وحاولوا اقتحامها، رافضين وجود أي شخص يمثّل النظام العنصري في تل أبيب. لا يزال المصريون يؤمنون بأن إسرائيل هي «العدو الأول» بعدما حاول النظام السابق ووكلاء إعلامه إزالة هذه الصورة. رفض ابن القليوبية البارّ بتضحيات أمته، والفلاح البسيط (المولود في 1947)، المقايضة على دماء شهداء الحروب مع إسرائيل. خرج يوم 26 شباط عام 1980 من بيته، كما خرج السادات بالضبط، لكن كانت الوجهه مختلفة.
الرئيس المؤمن خرج في استقبال واعتماد أول سفير للكيان الإسرائيلي في القاهرة «الياهو بن اليسار» بعد اتفاقية السلام مع تل أبيب. وسعد خرج غاضباً من بيته ورافضاً لهذا الوجود الإسرائيلي، فعبّر عن هذا باحتجاز اثنين من موظفي الوحدة المحلية في قريته «أجهور الكبرى» (تبعد 30 كيلومتراً عن القاهرة) حتى يُطرَد السفير الإسرائيلي. وبعد مشاورات سلطات الأمن مع من وصفته وسائل الإعلام في حينها بـ«المجنون» اخترقت رصاصة قناص جسد الفلاح الذي حارب إسرائيل في تشرين الأول عام 1973 وانتصر، ثم انهزم على أرضه ووسط أهله، بعدما وضعت الحرب أوزارها وعم السلام الزائف أجواء القاهرة.
يوم السبت الماضي كانت صورة سعد تملأ الأفق أمام سفارة العدو. ربما لم يعرف كثير من الشباب الذين تظاهروا ودخلوا في معارك كرّ وفرّ مع قوات الأمن المركزى والجيش، من هو سعد حلاوة. لكنهم يعرفون جيداً أن العقار الرقم 6 الكائن في شارع ابن مالك ـــــ تبدل اسمه إلى شارع الشهيد محمد الدرة عقب الانتفاضة الثانية في عام 2000ـــــ يقطن فيه ممثل أشهر كيان استيطاني في تاريخ المنطقة العربية، المنبوذ شعبياً من كافة طوائف الشعب إلا قليلاً. والقليل هذا هو دوائر المال أو «أثرياء الحرب» المتعاملون مع تل أبيب بعد اتفاقية الكويز (اتفاقية الأماكن المؤهلة) أو كتّاب يسعون من خلال مقالات «ركيكة» إذابة الحاجز النفسي مع أولاد العم.
على عكس طبيعة المصريين المرحبة بالضيوف، جاء التعامل مع السفراء الإسرائيليين بحصار شعبي، ورفض تؤكده شهادات معظم من عمل في السفارة، بداية من بن اليسار الذي لم يمكث طويلاً في القاهرة ـــــ عام واحد ـــــ ثم طلب من الخارجية الإسرائيلية أن ترشح غيره، نظراً إلى عدم تأقلمه مع المصريين. وقال في مذكراته إنه «لم يستطع الاندماج في الحياة المصرية وفشل في تكوين صداقات بخلاف ثلاثة أشخاص، أحدهم سائق سيارته».
تكرر الأمر مع السفير موشيه ساسون، الذي تعرض لمحاولة اغتيال على يد تنظيم ثورة مصر بقيادة محمود نور الدين. وقد عانى ساسون أثناء سنوات عمله بالقاهرة العزلة التي فرضت عليه من الشعب المصري، وكيف كان المسؤولون في الحكومة يتجنبون الظهور معه. وأشار إلى هذا الإقصاء في كتابه الذي حمل اسم «7 أعوام في أرض المصريين». وقد حاولت السفارة فتح قنوات اتصال مع المجتمع المصري أكثر من مرة، حتى تولى السفير الثالث شمعون شامير منصبه في عام 1988، وحاول النفاذ إلى أوساط المثقفين من خلال تأسيس المركز الأكاديمي الإسرائيلي، الذي سرعان ما قاطعه الجميع ليغادر هذا السفير القاهرة. بعدها جاء إفرايم دوفيك ليكون السفير الرابع الذي يغادر إلى تل أبيب بعد عام تقريباً. حاولت إسرائيل الالتفاف على الرفض الشعبي، فأتت بالسفير الخامس من أصل مصري، وهو ديفيد بن سلطان، إلا أنه نال جزاء من سبقوه من تجاهل وحصار فغادر القاهرة قبل انتهاء مدة خدمته بثمانية أشهر غير مأسوف على خدماته.
المتعاملون مع السفارة الإسرائيلية قليلون وأصدقاؤها أقل، وكلهم يتحركون في إطار من السرية خوفاً من الغضب الشعبي، الذي ينفجر في وجه أي شخص يعرف عنه القرب بأي درجة من هذا المبنى، وهو ما جعله أشبه بالجزيرة المعزولة عن بقية المنطقة. فبخلاف حالة التأهب الأمني المستمر والمفزع نظراً إلى أهمية المكان الذي تقع فيه السفارة، على بعد أمتار من حديقة الحيوان وجامعة القاهرة، هناك حالة تأهب شعبي وترصد ضد العلم المطل على كورنيش النيل، لم تفلح زيارات المسؤولين الإسرائيليين في تخفيف حدتها، رغم المحاولات المستميتة منهم في مد جسور التطبيع سياسياً واقتصادياً وثقافياً. تكسرت كل المحاولات أمام الرفض الشعبي المتزايد مع تزايد البلطجة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وباتت الطبقتان الأخيرتان في العقار الرقم 6 أمام كوبري الجامعة رمزاً للكراهية. كراهية شعب يرى أشقاؤه العزّل يضربون بالأسلحة المحرمة دولياً وعلم الدولة المعتدية يرفرف في سماء القاهرة على ضفاف النيل.
بعد ثورة 25 يناير أخذ الكره الشعبي للكيان الإسرائيلى صوراً مختلفة، فلم يسمح نظام الرئيس المخلوع مبارك للمتظاهرين تحت أي مسمى أن يصلوا إلى مبنى السفارة إلا مرات نادرة. الآن تغيرت الحال؛ فعلى مدى الأسابيع الماضية شهد جسر الجامعة، المواجه لمبنى السفارة، أكثر من تظاهرة أُحرق خلالها العلم الإسرائيلي، ولم يكن عدد المشاركين في هذه التظاهرات بالعشرات كما في السابق، بل وصل آخر عدد للمشاركين في آخر تظاهرة إلى ما يقرب من أربعة آلاف شاب، كانت مطالبهم واضحة: إغلاق السفارة، طرد السفير، وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني حتى عودة كامل الأراضي الفلسطينية.
واليوم قد تخرج تظاهرة هنا أو مسيرة هناك تردد الهتاف الدائم للمصريين «أول مطلب للجماهير... حرق سفارة وطرد سفير»؛ لأن المصريين لا يزالون يرون أن إسرائيل عدو، ووجود السفارة يعني أن الصراع انتهى، بينما هو لا يزال مستمراً.

حسين سالم: صديق الديكتاتور على قوائم الإنتربول



اسم جديد من ديناصورات نظام حسني مبارك دخل على لوائح المطلوبين من العدالة الدولية. الملياردير حسين سالم، صاحب الشهرة السوداء في تحصيل الأموال الطائلة نتيجة صداقته مع الرئيس المخلوع، مع ارتباط اسمه باتفاقية تصدير الغاز

القاهرة | لم يُشغل المصريون طوال الأيام الماضية مثلما حدث ليلة أول من أمس. خبر صغير نشره موقع إلكتروني يفيد بأنه قد ألقي القبض على رجل الأعمال الهارب، حسين سالم في إسرائيل، قَلَب البلد رأساً على عقب. انتهى مضمون الخبر لتنفجر التعليقات على المواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» و«تويتر». فرحة غامرة عمّت مصر. المصريون كانوا بحاجة إلى انتصار بعد سلسلة إخفاقات تمثلت فى فتنة إمبابة واعتصام الأقباط أمام «ماسبيرو»، والحديث عن صدور عفو عن الرئيس المخلوع حسني مبارك وزوجته في مقابل تنازلهما عن أموالهما.
كلها أخبار وأحداث خلقت مساحة من الكآبة بدّدها إعلان اصطياد صديق الرئيس السابق. لكن سرعان ما عادت مصر إلى طبيعتها، بعد تأكيد أكثر من جهة في الدولة عدم صحة ما تناولته وسائل الإعلام. المؤكد أن حسين سالم لا يزال حراً طليقاً، وهو موضوع على قوائم ترقُّب الوصول. والشرطة الدولية «الإنتربول» وزّعت صورته على مطارات العالم وموانئه.
لماذا يشغل رجل، لم يره طوال ما يقرب من عشرين عاماً سوى قلة قليلة من رجال السياسة والبيزنس القريبين من نظام الرئيس السابق، كل هذا الحيز من اهتمام الناس؟ لأنه كان أقرب الناس إلى الرئيس السابق حسني مبارك وموضع سرّه، ولأن الغموض الذي اكتنف حياته وهو يعيش فى منتجع شرم الشيخ ازداد بعد هروبه خارج مصر، ولأن قصة الرجل هي عبارة عن فصول من قصة صعود الفساد في عهد الرئيس المخلوع، وحكاية موظف صغير تحول في زمن قصير إلى «أشهر رجل غامض» تحت سماء المحروسة.
بدأ سالم، المولود عام 1928، حياته موظفاً في صندوق دعم الغزل. ثم التحق بسلاح الطيران وشارك في حربي 1967 و1973. وهنا تعرف إلى مبارك الذي كان قائداً لسلاح الطيران في تلك الفترة، وبسبب قربه من مبارك ودعمه غير المحدود للرئيس أنور السادات أثناء مفاوضات كامب ديفيد، أصبح أحد مستشاري الرئيس. وبعد توقيع الاتفاق، كوفئ بتكليفه مهمة الإشراف على تنفيذ المعونة الأميركية للقاهرة في إطار الاتفاقية الثنائية بينهما.
لا يعلم أحد متى بدأ صديق الرئيس السابق التوجه إلى مجال البيزنس، إلا أن المعروف أنه عمل لفترة في شركة «النصر للتصدير والاستيراد»، وهي الشركة التي كانت تستخدمها الاستخبارات المصرية للتغطية على نشاطها في أفريقيا. وربما كان عدم ظهور الرجل من علامات تأثره بالفترة التي قضاها في جهاز الاستخبارات، لكن عام 1986 شهد أول ظهور لاسم «سالم» في الحياة العامة، عندما تقدم عضو مجلس الشعب في حينها، علوي حافظ، بطلب إحاطة عن الفساد في مصر، مستنداً في جزء منه إلى اتهامات وردت في كتاب «الحجاب»، للصحافي الأميركي بوب ودوورد تقول إن شركة «الأجنحة البيضاء» التي سُجّلت في فرنسا، هي المورِّد الرئيسي لتجارة السلاح في مصر، وإن هذه الشركة تتضمن أربعة مؤسسين هم منير ثابت ـــــ شقيق سوزان مبارك ـــــ وحسين سالم وعبد الحليم أبو غزالة (وزير الدفاع السابق)، وحسني مبارك (نائب الرئيس في حينها). وبعد هذه الواقعة، بدأ يتردد اسم «سالم» وبدأت الأسئلة تكثر عن حجم ثروته التي اختلطت فيها الحقيقة بالخيال، حتى إن البعض قال إن حجم أمواله يتجاوز موازنة الدولة لعام كامل. ورغم ذلك، ورد اسمه في بعض قضايا التهرب من قروض المصارف، ومنها قضية أسهمه في إحدى شركات البترول العالمية، التي أخذ بضمانها قرضاً من أحد البنوك ورفض سداده، وانتهت القضية بحلول البنك الأهلي محله في الشركة، لتمر الحكاية كأن شيئاً لم يكن.
وهكذا، بدأت أكبر حكاية للرجل الغامض، وهي حكايته مع تصدير الغاز المصري لإسرائيل من خلال شركة «شرق المتوسط للغاز» التي وقّعت عقد الشراكة مع دولة الاحتلال. ولأن القانون المصري لا يسمح بمشاركة الأفراد في شركات الغاز، دخلت الحكومة المصرية بشراكة مع سالم الذي امتلك عشرة في المئة من الأسهم، فيما امتلك الطرف الإسرائيلي المتمثل برجل الأعمال يوسى ميمان، 25 في المئة، في مقابل تملك شركة الخدمات البترولية التابعة للحكومة المصرية باقي الأسهم. وحده حسين سالم لم يهتز من كل ما جرى اعتراضاً على اتفاقية الغاز، وظل بعيداً عن الأضواء، وكل ما أعلنه كان أنه كان يمتلك 65 في المئة من مجموع الأسهم، وأنه باع منها 12 في المئة ثم 25 في المئة ثم 10 في المئة، ولم يعد يملك سوى 18 في المئة. إلا أن الجدل لم يتوقف حوله، وظل الرجل من أكبر علامات الاستفام التي طاردت نظام الرئيس السابق، خصوصاً أن سالم كان معروفاً عنه امتلاكه معظم فنادق مدينة شرم الشيخ السياحية ومنتجعاتها، وأنه الحاكم الفعلي للمدينة التي كانت المقر المفضَّل للرئيس المخلوع.
في 31 كانون الثاني الماضي، هرب سالم تاركاً صديقه مبارك يواجه مصيره. قِيل إنه ذهب إلى سويسرا، ثم غيّر وجهته إلى الإمارات، وطارت أنباء عن القبض عليه في مطار دبي، وبحوزته سبائك ذهبية وحقائب فيها ملايين الدولارات، لكن لم يتأكد الخبر. بعدها، تردّدت أنباء عن وجوده مع أسرته في لندن نظراً لعدم وجود اتفاقية تبادل مجرمين بين بريطانيا ومصر، لكن لم يتأكد هذا الخبر أيضاً. وفي 12 أيار الجاري، وضع «الإنتربول» صورة سالم ضمن المطلوبين لتبدأ حكاية أخرى، قد تنتهي ونحن نرى الرجل الغامض مكبّلاً.