لم يوفر الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس، سوريا في خطابه الطويل الذي ألقاه من مقر وزارة الخارجية الأميركية وتناول الثورات التي تعصف منذ ستة أشهر بالعالم العربي، داعياً الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى قيادة التحول الديموقراطي أو الابتعاد، بالتزامن مع مطالبة فرنسا للأسد بالإسراع في الإصلاح حفاظاً على استقرار المنطقة.
ورأى أوباما أنه «في الآونة الأخيرة، اختار النظام السوري طريق القتل والاعتقالات الجماعية لمواطنيه»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة أدانت هذه الأفعال، وبالعمل مع المجتمع الدولي كثفنا عقوباتنا على النظام السوري، بما في ذلك العقوبات المعلنة على الرئيس الأسد ومن حوله». وبعدما أشار إلى أن الشعب السوري عبر عن شجاعته بالمطالبة بالانتقال إلى الديموقراطية، أوضح أوباما أن الرئيس الأسد لديه الآن خيار «يمكن أن يقود هذا التحول، أو الابتعاد من الطريق». وأضاف «يجب على الحكومة السورية وقف إطلاق النار على المتظاهرين والسماح بالتظاهرات السلمية، والإفراج عن السجناء السياسيين ووقف الاعتقالات الظالمة؛ والسماح لمراقبي حقوق الإنسان من الوصول إلى مدن مثل درعا، وبدء حوار جدي لدفع عجلة التحول الديموقراطي. وإلا فإن الرئيس الأسد سيكون عرضة للتحدي من الداخل والعزلة من الخارج». كذلك، اتهم أوباما سوريا بأنها «اتبعت حتى الآن حليفتها إيران، وطلبت المساعدة من طهران في أساليب القمع»، معتبراً أن «هذا يكشف نفاق النظام الإيراني الذي يتحدث عن دعم المحتجين في الخارج ويقمع المحتجين في الداخل».
وخطاب الرئيس الأميركي الذي جاء بعد يوم واحد من فرض الولايات المتحدة عقوبات على الرئيس السوري وعدد من كبار المسؤولين، تزامن مع تخفيف فرنسا من لهجتها ضد النظام، ودعوتها إلى إجراء إصلاحات تتيح الحفاظ على الاستقرار في سوريا والمنطقة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، برنار فاليرو، في مؤتمر صحافي «من الضروري أن يتوقف القمع والاعتقالات التعسفية. يجب أن يعود الجيش الى الثكن، وأن يفرج عن سجناء الرأي، ويتعين البدء بحوار سياسي حقيقي وإجراء إصلاحات فعلية تستجيب للتطلعات المشروعة للشعب السوري. ولا بد من هذه التدابير للحفاظ على الاستقرار في سوريا والمنطقة».
وأوضح فاليرو أن «فرنسا تتابع أكثر من أي وقت مضى جهودها مع شركائها في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للتنديد بالقمع ووضع السلطات السورية أمام مسؤولياتها»، بعدما أشار إلى أن «القمع يتفاقم في سوريا، فيما تتراكم معلومات عن وجود مقابر جماعية وشهادات عن التعذيب».
في غضون ذلك، شن النظام السوري أمس هجوماً على الولايات المتحدة، منتقداً العقوبات التي فرضتها، ومؤكداً أنها «لم ولن تؤثر في قرار سوريا المستقل، وفي صمودها أمام المحاولات الأميركية المتكررة للهيمنة على قرارها الوطني، وإنجاز الإصلاح الشامل».


ونقلت وكالة الأنباء السورية «سانا» عن مصدر رسمي قوله إن «هذه الإجراءات هي واحدة من سلسلة عقوبات فرضتها الإدارات الأميركية المتعاقبة بحق الشعب السوري في إطار مخططاتها الإقليمية، وفي مقدمها خدمة المصالح الإسرائيلية، وكان من ضمنها ما يسمى قانون محاسبة سوريا، وسبقه وضع سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب دعمها للمقاومة».
وبعدما شدد على أن «هذه العقوبات لم ولن تؤثر في قرار سوريا المستقل، وفي صمودها أمام المحاولات الأميركية المتكررة للهيمنة على قرارها الوطني وإنجاز الإصلاح الشامل»، أوضح المصدر أن «عديداً من الممارسات الأميركية يقدّم لنا الدليل تلو الآخر على عدم صدقية الدفاع الأميركي عن حقوق الإنسان، وعلى النفاق وازدواج المعايير، إذ ليس من قبيل احترام حقوق الإنسان أن يقتلوا العشرات من المدنيين أطفالاً ونساءً في أفغانستان وباكستان والعراق وليبيا». وأكد أن «أي عمل عدواني ضد سوريا هو مساهمة أميركية في العدوان الإسرائيلي عليها وعلى العرب، كما أن الإجراء الأميركي بحق سوريا له تفسير واحد هو التحريض الذي يؤدي إلى استمرار الأزمة فيها، الأمر الذي يخدم مصالح إسرائيل قبل كل شيء».
وفي السياق نفسه، انتقدت صحيفة الوطن السورية العقوبات الأميركية، مشيرةً إلى أن الهدف منها هو الضغط عليها لفك ارتباطها بحركات المقاومة كـ«حماس» و«حزب الله». وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يوفرون «الوقت لممارسة الضغوط على سوريا بهدف تغيير سياساتها الإقليمية»، واصفةً ما يحدث بأنه «جزء من خطة أميركية تهدف إلى إضعاف سوريا وفك علاقتها بالمقاومة».
من جهته، استنكر حزب الله فرض عقوبات اميركية على سوريا، معتبراً أنها «محاولة النيل من الرئيس بشار الأسد شخصياً، هو قرار سياسي بامتياز ولا يمتّ الى ما تدّعيه إدارة أوباما من دفاع عن حقوق الإنسان المستهدفة دائماً من الإدارة الأميركية والكيان الإسرائيلي». ورأى البيان أن العقوبات تأتي «في سياق تصفية حسابات مع سوريا بقيادتها وشعبها لالتزامها خيار المقاومة والممانعة ضد الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأميركية».
ميدانياً، أفادت وكالة «رويترز» عن انتشار قوات سورية، تدعمها الدبابات، في قرية العريضة التي تقع على مقربة من بلدة تلكلخ. ووفقاً للموجودين في قرية البقيعة اللبنانية الحدودية، شوهد جنود سوريون وهم ينتشرون على الناحية الأخرى من الحدود وعلى طول نهر في قرية العريضة، وكانوا يدخلون المنازل. وانتشر جنود لبنانيون أيضاً على طول الجانب اللبناني من الحدود، بحسب المصدر نفسه.
وفي السياق، اتهمت «المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا» السلطات السورية باعتقال 133 شخصاً في عمليات دهم واعتقالات «جماعية وفردية تعسفية» في مختلف المناطق السورية. وأوردت المنظمة أسماء 133 شخصاً، قالت إنهم أوقفوا خلال الأسبوع الجاري، مدينةً حملة الاعتقالات التي شهدتها معظم المدن السورية خلال الأيام الماضية، ومطالبة السلطات «بالإفراج الفوري عن كل السجناء الذين اعتقلوا على خلفية التظاهرات منذ شهرين الى الآن».
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز، أ ب)