حيفا | مناسبة إحياء الذكرى الثالثة والستين للنكبة الفلسطينية انتهت، لكنَّها تركت تل أبيب أمام أسئلة كثيرة. فبعد وصف الحدث غير المسبوق بأنهّ «مخجل» بالنسبة إلى الدولة العبرية، سُلّط الضوء على دور الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية التي سجّلت، بنظر الإعلام العبري، إخفاقات عديدة، بدأت، في أيار 2010 بـ«أسطول الحرية» ولم تنته بإحياء ذكرى النكبة. عام وصفته صحيفة «معاريف» بأنه «عام المفاجآت»، مبينّة أنَّه هذا العام الذي تريد الاستخبارات الإسرائيلية «نسيانه».ولخّصت الصحيفة الإخفاقات بأنّها بدأت بـ«أسطول الحرية»، ليليها سقوط نظام حسني مبارك في مصر، إضافة إلى الهبّات الشعبية في العالم العربي، وصولاً إلى اتفاق المصالحة الفلسطينية بين «فتح» و«حماس»، ثم ذكرى النكبة. الإعلام العبري عدّ أسطول الحرية في العام الماضي أوّل هذه الإخفاقات، وخصوصاً أن الجيش الاسرائيلي لم يتوقع أنَّ وحدة الكوماندو التابعة لسلاح البحرية الاسرائيلي ستلاقي مقاومةً على ظهر سفينة «مرمرة» التركية. لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، بل إن سير الأحداث «غير المتوقعة» ازداد مع نهاية عام 2010 وبداية 2011.
في نهاية كانون الثاني من العام الجاري، بدأ التحرك الشعبي في مصر، بعد الهبّة الشعبية في تونس. ترقب الاسرائيليون المجريات بحذر. حيث عدّوا نظام مبارك حليفاً استراتيجيّاً. في ذلك الوقت، قال رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، الجنرال أفيف كوخافي، في اجتماع لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، إنه «لا خطر على استقرار نظام مصر». بعد أسبوعين ونصف الأسبوع، وقع الحدث، واستطاعت الهبّة الشعبية في مصر إسقاط مبارك ونظامه. بعد سقوط النظام الذي دعمه الإسرائيليون، وخصوصاً المستويات الرسمية، لاحت أسئلة كثيرة لم يتوقع الاسرائيليون بحثها، مثل نوعية النظام الذي ستلده الهبّة الشعبية، بالإضافة إلى اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين، وقضية تزويد النظام المصري إسرائيل بالغاز الطبيعي. وأخرى أيضاً متعلقة بعلاقة قطاع غزة المحاصر بالنظام الجديد.
لقد استفادت تل أبيب الرسمية من الانقسام الفلسطيني بين «فتح» و«حماس». هذا الانقسام الذي زوّد الدبلوماسيين الاسرائيليين بالقوة لتسويق مقولة «لا شريك فلسطينياً». المشهد الفلسطيني المنقسم بين الضفة الغربية وبين قطاع غزة، صعّب كثيراً على الفلسطينيين تسويق مبدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية العتيدة، فغياب الوحدة، أضعف أيضاً التكاتف والموقف الموحّد من أجل هدف واحد، وقوّى إسرائيل التي استثمرت الانقسام. لقدّ جرت مفاوضات الوحدة من دون علم الاسرائيليين بتفاصيلها، إلى أن خرج إعلان توقيع المصالحة، ما جرّ ردوداً إسرائيلية سريعة. الإعلام العبري لام الاستخبارات، وتساءل كيف لهذه المجريات أن تحصل من دون علمها؟. «معاريف» قالت إنَّ إعلان المصالحة «ترك المستوى السياسي مفاجأً، ومنظومة الاستخبارات مصدومة»، وزادت الصحيفة أنه «حتى الآن، لا سياسة موحدة في مقابل الاتفاق والتطورات المتوقعة بموجبه ميدانياً». الرد الإسرائيلي على المصالحة كان عشوائياً ومألوفًا إلى حد كبير. توقف نقل أموال الضرائب الى السلطة الفلسطينية، لكنها حُرّرت في ما بعد بضغط من الأوروبيين.
ذكرى النكبة الفلسطينية كانت تمر متواضعة دون أحداث. لكن أسباباً كثيرة جعلت من هذه الذكرى يوماً لم يتوقعه الإسرائيليون، وخصوصاً بعد 63 عاماً. أحداث مجدل شمس، كانت العلامة على الصدمة وفشل الاستخبارات. وكانت صحيفة «معاريف» قد نقلت عن أحد ضباط الجيش الاسرائيلي قوله، إنَّ «المعلومات تحدثت عن أحداث متوقعة على الجبهة اللبنانية»، إلا أنَّ الاحداث كانت على الحدود السورية. هذا التخبط بين الحدودين، خلق أيضاً الكثير من تبادل الاتهامات بين الأجهزة الأمنية، وخصوصاً بين الاستخبارات العسكرية وقيادة المنطقة الشمالية.
المشاهد التي نقلت، وخصوصاً حول الفلسطيني الذي وصل الى مدينة يافا، في القناة الاسرائيلية العاشرة، كانت محرجة على الصعيدين السياسي والعسكري، بعدما استطاع الشاب اختراق الأجهزة الأمنية.
عضو الكنيست الحالي، رئيس جهاز الشاباك الاسرائيلي السابق، افي ديختر، لا يرى علاقة بين الأحداث المذكورة. وقال لـ«معاريف» إنه «لا يمكن خلط كل الأحداث في السنة الاخيرة من ناحية استخبارية، مبيناً أن أسطول الحرية «كان حدثاً محدداً» وأن المصالحة الفلسطينية «لم تكن مفاجأة استخبارية مدوية، لأنها كانت على نار هادئة لوقت طويل، وحتى التنظيمات نفسها لم تعرف أنها ذاهبة الى اتفاق»، بينما قال العقيد في الاحتياط داني آشر للصحيفة نفسها: «من يعتقد أن الاستخبارات تستطيع فعل كل شيء فهو مخطئ».