صنعاء| بعيداً عن التطورات التي عاشها اليمن، والتي أعادت إلى الأذهان أجواء حرب صيف عام 1994، عندما انقطع التيار الكهربائي لمدة خمس ساعات عن عموم محافظات الجمهورية، يبدو أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لا يزال يراهن على المبادرة الخليجية كأداة تمكّنه من كسب مزيد من الوقت. وبات الجميع على علم، من ضمنهم أصحاب المبادرة، أن الأخيرة تحولت إلى لعبة بين يدي صالح، وقد ظهر ذلك أخيراً من خلال موافقته على التوقيع شرط حل «مشكلة الحراك الجنوبي والتمرد في صعدة، ورفع جميع المظاهر الاحتجاجية عن جميع مدن الجمهورية». شرطٌ يبدو أنه ظهر في الوقت الضائع، مع انسحاب دولة قطر من المبادرة، وتكوّن تيار قوي داخل مجلس الأمة الكويتي يطالب بالانسحاب من المبادرة ودعم ثورة الشباب اليمني على نحو صريح.
لكن يبدو أن الجهد السعودي لا يزال محافظاً على نشاطه، على خلفية بقاء الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني في صنعاء منذ يوم السبت الماضي، متنقّلاً بين القصر الرئاسي وقصر الشيخ صادق عبد الله حسين الأحمر، حيث يجتمع مع رموز المعارضة اليمنية. وقد انتهت الاجتماعات بتقديم المعارضة اقتراحاً أخيراً يتضمن توقيع صالح على المبادرة من دون قيد أو شرط خلال ثمان وأربعين ساعة، الأمر الذي لم يتحقق.
أمر لم يمنع ظهور اقتراح جديد من جانب صالح، ينص على تغيير شكل المبادرة من اتفاق بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وشركائه، وأحزاب اللقاء المشترك ومن معه، إلى اتفاق بين المؤتمر ومن معه وأحزاب المعارضة الممثلة في مجلس النواب، على أن يوقّعها صالح بصفته رئيساً للجمهورية، والرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك ياسين سعيد نعمان بدلاً من رئيس اللجنة التحضيرية للحوار محمد سالم باسندوة، الذي كان من المقرر أن يوقع اتفاقية المبادرة في شكلها السابق.
ويتزامن هذا التعديل مع إعلان مصدر خليجي، رفض الكشف عن اسمه، أن المبادرة الخليجية هي فرصة أخيرة، وعلى صالح أن يقبلها أو يرفضها على نحو واضح. وقال إن الرسالة التي حملها الزياني إلى صالح هي «إما أن يقبل أو يرفض على نحو واضح»، مشيراً إلى أن أمام صالح مهلة 24 ساعة.
في المقابل، أعلنت كافة أحزاب المعارضة رفضها النهائي للمبادرة، مشيرة إلى أنها لا تكترث لمصلحة الشعب اليمني، وتحرص فقط على مصلحة صالح. وقال الناطق الرسمي باسم أحزاب اللقاء المشترك، محمد الصبري، إن الأخير لم يعد معنياً، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن على صالح أن يقبل توقيع المبادرة في صيغتها الثالثة من دون أيّ تعديل. وقال لـ «الأخبار» إن «صالح يبدي تعنتاً كبيراً في توقيع المبادرة، ويقدّم في كل مرة شروطاً جديدة فيها». وأضاف إن أحزاب المعارضة «ترى أن صالح والمبادرة الخليجية يهدفان إلى اللّعب على عامل الوقت وإتاحة الفرصة أمامه لترتيب أوراقه والبدء بمناورات جديدة». وأضاف إن الشرط الجديد الذي تقدّم به صالح «هو شرط واحد من بين جملة شروط تعجيزية أخرى لا يمكن التصرف معها على نحو عملي ومعقول، ومنها حل مشكلة الجنوب وإنهاء التمرد في صعدة وإنهاء جميع المظاهر الاحتجاجية في البلاد». وتابع أن «كل هذا اللعب على عامل الوقت، الذي ظهر في توافق الزياني وصالح، يهدف إلى تكليف اليمن فاتورة باهظة لنعلم من سوف يدفعها».
من جهتهم، جدّد شباب الثورة اليمنية موقفهم الثابت حيال المبادرة الخليجية، أو أيّ مبادرة أخرى، لا تنص صراحةً على تنحي صالح الفوري عن الحكم من دون قيد أو شرط، وعدم تقديم أي ضمانات تخص عدم ملاحقة الرئيس وأقاربه بسبب «الجرائم التي ارتُكبت في حق شباب الساحات منذ بداية الثورة الشبابية اليمنية». وقال أحد شباب «التيار الحر» في ساحة التغيير في صنعاء، محمد الحنبصي، إن «أي مبادرة يقدمها الآن أيّ طرف هي مبادرة لا تهدف سوى إلى إنقاذ صالح من المصير الذي صار ينتظره، مع توحّد الرأي في جميع الساحات على رفض أي تدخلات تذهب في هذا الطريق».
وتابع الحنبصي «صار من الواضح من انسحاب دولة قطر وهبوط مستوى الحماسة الخليجية للمبادرة، أن الإخوة في السعودية صاروا بمفردهم من يدعم هذه المبادرة الميتة، وهذا من شأنه أن يجعهلم في مواجهة الشعب اليمني بأكمله، الأمر الذي لا يمكنهم تجاوزه في المستقبل».
وتأتي هذه التطورات الجديدة مع وصول نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى تركيا، وسط أنباء عن مطالبته الحكومة التركية بالتوسط لحل «الأزمة» في اليمن، رغم علم القيادة اليمنية بموقف تركيا من الأحداث والتطورات الجارية، وإعلان وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، أن التغيير في اليمن صار ضرورياً، وأن مطالب المحتجين هي مطالب عادلة ومشروعة، لكن هذا الطلب الجديد من القيادة التركية للوساطة يشي بأن المبادرة الخليجية قد انتهت، ولم يعد بالإمكان إعادة الحياة إليها.