القاهرة | من الحديث الذي تسرّب أول من أمس في مصر عن طلب الرئيس المخلوع حسنى مبارك العفو والتنازل هو وزوجته سوزان ثابت عن ممتلكاتهما، دغدغة مشاعر الشعب المصري، والوقوف بالثورة عند مربع إزاحة الرئيس السابق عن كرسي الحكم فقط دون محاسبته عن جرائمه الماضية، أو مساءلته عن دماء الشهداء الذين سقطوا برصاص الشرطة خلال الثورة. ومن دون النظر الى حجم المعاناة التي يتكبّدها أكثر من ثلاثة آلاف شاب، فقدوا أعينهم بطلقات القناصة في أيام الغضب التي أعقبت ثورة «25 يناير». إنّها محاولة ثانية لجسّ نبض الشارع الغاضب من التباطؤ في إجراءات محاكمة مبارك وعائلته، وبالون اختبار أراد المجلس العسكري أن يرى أيّ المناطق سينفجر بها. في العاشر من نيسان الماضي، أذاعت قناة «العربية» تسجيلاً صوتياً للرئيس السابق يدافع فيه عن نفسه وعن أسرته، ويتوعد من اتهموه بالفساد بالملاحقة القضائية.
حينها أتت ردود أفعال المصريين على الخطاب على عكس ما كان متوقعاً،
فتظاهر الآلاف في ميدان التحرير وطالبوا بسرعة المحاكمة.
ولا يخفى على أحد أن السعودية والإمارات وبعض المقرّبين من الرئيس السابق، هم من أشاروا إليه بالسير في هذا الطريق في محاولة لتأجيل محاكمته. الآن تتكرّر الحيلة نفسها، لكن هذه المرّة بصيغة مختلفة. فبعدما أدرك الجميع أن الشعب يريد محاكمة الرئيس وعائلته سياسياً وجنائياً، وبعدما فشلت حيلة الإمارات فى إغراء مصر بالمساهمة في سداد ديونها، وفتح الباب أمام المستثمرين الإماراتيين لضخ السيولة، لجأوا هذه المرة الى استعطاف الشعب المصري، وسرت أنباء عن ترتيبات ووساطات تقودها السعودية والإمارات لطلب العفو عن الرئيس المخلوع هو وزوجته مقابل تقديم اعتذار إلى الشعب المصري، والتنازل عن كافة ممتلكاتهما لمصلحة الشعب.
حيلة قديمة لكن إخراجها يبدو جديداً ومستحدثاً، فقد ذكرت التقارير الصحافية أنّه «يجري الإعداد لخطاب صوتي يُبثّ عبر قنوات مصرية وعربية يقدّم فيه مبارك عن نفسه وعن أسرته، وخاصةً زوجته، اعتذاراً عما يكون قد بدر منه من إساءة إلى أبناء الوطن بسبب سوء تصرف ناجم عن نصيحة بعض المستشارين أو معلومات خاطئة رُفعت إليه».
الخطاب سيشمل أيضاً طبقاً لرواية شخصيات دبلوماسية عربية «إبداء مبارك وسوزان الرغبة الأكيدة في التنازل عن كل ممتلكاتهما لمصلحة الشعب. والرغبة في أن يتذكر هذا الشعب أن مبارك كان يوماً جندياً محارباً في صفوف القوات المسلحة، وأنه لم يكن يسعى، أو يتوقع منصب الرئاسة، وأنه سعى قدر استطاعته إلى تحمل أعباء هذا المنصب، فيما سعت زوجته الى الإسهام في الأعمال الخيرية». تعتمد الصيغة هذه المرة على الالتفاف على مشاعر الناس، والتذكير بكبر سن الرجل وزوجته، والتأكيد أن مبارك الذي خدم بلاده فترة طويلة لا يستحق أن تكون نهايته بهذا الشكل.
ولا يغفل أصحاب الاقتراح أن يشيروا الى الدور البطولي للرئيس خلال حرب «أكتوبر» المجيدة. فهل يرضى الشعب المصري بهذه التسوية؟ الإجابة كانت فور تسريب الصيغة، بحيث خرجت مجموعات على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» ترفض الطرح، وتعدّه إهانة لنضال أمّة دفعت الدم فى سبيل إزاحة رئيس أفسد حياتها على مدى ثلاثين عاماً.
وعلّق أحد الأعضاء «مش قابلين اعتذارك»، مضيفاً «ماشي أنا وغيري مستعدين نقبل اعتذارك لأنك هترد لنا الفلوس اللي سرقتها انت ومراتك. طب ها تعتذر إزاي للي ماتوا واللي عينيهم ضاعت وبقت مبتشوفش غير الضلمة؟». هنا بيت القصيد. الغالبية لا تريد العفو وتطالب بمحاكمة مبارك ونظامه، حتى إن أحدهم كتب على «تويتر»: «هذا نكث واضح والتفاف على الثورة التي كانت للتطهير والقصاص لا للتسوية والمساومة».
من جهة ثانية، يحاول المجلس العسكري أن يبدو محايداً. ولا يُملي إرادته، التي تستحسن العفو عن قائده السابق، على الشعب المصري تاركاً الأمر برمته، حسب مصدر عسكري، للتوافق الشعبي، قائلاً «أيّ قرار من المجلس العسكري سيأخذ بالتأكيد في الاعتبار رأي الشارع المصري والمصلحة المصرية في هذه المرحلة الحرجة». والمرحلة الحرجة تقتضي قبول الاتفاق، نظراً إلى الفوائد الكثيرة التي ستستفيد منها مصر، وفي مقدّمتها عودة العلاقات مع السعودية والإمارات الى ما كانت عليه، والاستفادة من استثمارات هاتين الدولتين وغيرهما، لأن المجلس واقع تحت ضغط عواصم عربية كثيرة «تلح على القاهرة للنظر في تسوية ممكنة» لأنّه «لا أحد يشعر بالارتياح في أن يُزجّ مبارك وقرينته في السجن».
قد يكون ما حصل مع سوزان ثابت بإخلاء سبيلها من سرايا جهاز الكسب غير المشروع بعدما تنازلت عن 24 مليون جنيه هي كل ممتلكاتها داخل مصر، الخطوة الأولى على طريق إتمام صفقة العفو عن الرئيس وزوجته تحت مظلة وضغط السعودية والإمارات، لكنه أيضاً الخطوة الأولى على طريق احتجاجات ترفض هذه التسوية المهينة.
في هذه الأثناء، قال مصدر عسكري إنّ هناك جهات كثيرة، بعضها مصري وبعضها عربي، تتوسط لإتمام هذا الأمر في إطار صياغة قانونية مقبولة، وفي ظل توافق شعبي.
ولا ينفي المصدر نفسه أن هناك «غصّة لدى أوساط ليست بالقليلة»، في القوات المسلحة إزاء أن يُسجَن أحد رجال القوات المسلّحة، بل القائد الأعلى السابق لها، لكن هذه القوات، حسب المصدر، لا تريد في الوقت نفسه إغضاب الشعب المصري «وخاصةً أن الجميع يعلم أن الثورة المصرية كان لها أسبابها الوجيهة، وهي الأسباب التي سبق أن أثارها قادة عديدون من القوات المسلحة مع الرئيس (السابق) مبارك».
وسيتوقف أمر إتمام ترتيب تنازل مبارك وزوجته عن أموالهما والسعي الى عفو عسكري على الرأي القانوني من محامي الدفاع الذي يتولى تمثيلهما، والذي يدّعي حسبما ينقل عنه بعض من استمعوا إليه أخيراً، أنّه قادر على إثبات براءة موكليه من تهم الفساد المالي المنسوبة إليهما، وأن وجود حسابات لأغراض خيرية في عهدتهما لا يعني أنهما استوليا على هذه الحسابات.
وفي هذه المرحلة الحرجة، وبحسب مصادر «الشروق»، فإن مبارك وزوجته، التي قال مصدر مطلع إنها «في حالة صحية سيئة جداً»، سيكتفيان بأي معاش تقرّره الدولة لهما. وليس مرجحاً أن يشمل العفو سوى مبارك وقرينته، بالنظر إلى حالتهما الصحية والمرحلة العمرية، فيما ينبغي لنجليهما علاء وجمال المحتجزين في سجن طرة إثبات براءتهما من التهم المنسوبة إليهما، أو مواجهة حكم القضاء العادل.