الجزائر | بعد فوز الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بولاية رئاسية رابعة في نيسان/أبريل 2014، تشكلت تكتلات معارضة بين أحزاب وشخصيات مختلفة الانتماءات والتوجهات، رافضة أن يحكم البلد "رجل يعاني من متاعب صحية جمة". لكن مشروع المعارضة الموحد وبعد سنة ونصف من إطلاقه، يجد نفسه اليوم عند مفترق طرق، لأسباب لها علاقة بأساليب تحرّك الحكم والسلطة، ولبروز خلافات بين أقطاب المعارضة نفسها.
برغم أن المعارضة الجزائرية تهاجم بشدة الرئيس بوتفليقة وسياساته و"تشبثه بالكرسي"، إلا أنها تجمع على أن ترشحه لولاية رابعة ساعد على توحيد صفوفها بعد سنوات من الفرقة والشتات. وقد تجلى ذاك الشعور الموحد في العقل الجمعي للمعارضة الجزائرية، حين تكتلت في آذار/مارس 2014 قوى وأحزاب تستند إلى تاريخ مليء بالمناكفات والعداوات والأحقاد، في تكتل أُطلق عليه اسم "تنسيقية الحريات والانتقال الديموقراطي"، ضم أربعة أحزاب، بين علمانية وإسلامية، ورئيس حكومة سابق (أحمد بن بيتور/ 1999 ــ 2000)، كانوا بطبيعة الحال من أبرز المقاطعين للانتخابات الرئاسية، لاحتجاجهم على ترشح الرئيس بوتفيلقة.
وبعد أشهر من التنسيق، طرح هذا التكتل المعارض وثيقةً سياسية سمّاها "أرضية الانتقال الديموقراطي"، تدعو في محور الآليات إلى تشكيل حكومة سياسية بتمثيل واسع، تضمن مراحل الانتقال الديموقراطي. وتطالب الوثيقة أيضاً بإنشاء هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات، وتنص على إعداد دستور توافقي بمشاركة الجميع، وعرضه للاستفتاء على الشعب، لا على البرلمان.
ولم تتوقف "تنسيقية الانتقال الديموقراطي" عند هذا الحد، بل دعت بقية أطياف المعارضة (التي تختزن بدورها ثقلاً سياسياً لا يستهان به) إلى الالتفاف حول هذه الوثيقة ودعمها. وتأتّى لها ذلك في ندوة تاريخية انعقدت في حزيران/يونيو 2014 في زرالدة بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائر، وضمت، تقريباً، جلّ وجوه المعارضة الجزائرية.

وخرجت الندوة بتوصيات تثري الوثيقة الأولى وتطالب بتوسيع تكتل المعارضة، الأمر الذي تجسّد فعلياً في إنشاء تكتل آخر تحت اسم "هيئة التشاور والمتابعة"، جمع "التنسيقية" (المقاطعة للرئاسيات) مع قطب "التغيير" الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، الذي كان أحد أبرز مترشحي الرئاسة في منافسة عبد العزيز بوتفليقة.
لكن المعارضة، بعدما تحقق لها منجز الوحدة، اكتفت في معركتها للتغيير على الاجتماعات وإصدار البيانات التي برغم حدتها في انتقاد النظام القائم (من حيث اعتبار أنّ الجزائر تعيش حالة شغور في السلطة)، فإن صداها في الشارع ظلّ محدوداً، ولم تستطع فرض نفسها كبديل ضاغط على النظام الحالي من أجل تعديل موازين القوى وإجبار النظام على التفاوض معها.
وحجة المعارضة في عدم التحرك نحو الشارع، أن الوقت ليس مناسباً للقيام بتظاهرات أو مسيرات في ظل عدم استعداد الجزائريين للخروج إلى الشارع، خوفاً من السيناريوات التي وقعت فيها بلدان مجاورة وأخرى بعيدة، وخشية من استحضار تجربة البلاد في سنوات "العشرية السوداء" التي لا تزال حاضرة في الأذهان. وبناءً على ذلك، كانت المعارضة تكتفي في كل مرة بتنظيم وقفات احتجاجية لا تدعو المواطنين إليها، وخرقت هذه القاعدة مرة واحدة قبل نحو أربعة أشهر حين دعت للخروج إلى الشارع احتجاجاً على مشروع الحكومة لاستغلال الغاز الصخري، وكانت الاستجابة في النهاية محتشمة.
كذلك، تقول المعارضة إن مشروعها للانتقال الديموقراطي يرفض التغيير عبر الشارع، ويعتمد على التفاوض مع السلطة كخيار آمن نجحت في تطبيقه كثير من الدول. هذا المنطق في التغيير، لا يقتصر على "هيئة التشاور والمتابعة" فقط، لكنه ينسحب على مشاريع أخرى مطروحة، كمبادرة الإجماع الوطني التي يقودها حزب "جبهة القوى الاشتراكية" الذي كان يتزعمه القائد التاريخي في الثورة التحريرية الجزائرية، حسين آيت أحمد، والتي تنص بدورها على أن الحل يكمن في تنظيم ندوة تجمع السلطة والمعارضة، تخرج باتفاق لخريطة طريق تنقذ الجزائر.

حكماً، ترفض السلطة التعاطي مع المعارضة على أساس طرحها الداعي إلى اعتبار منصب الرئاسة شاغراً


إنّ عدم تجاوب السلطة، بشكل تام، مع طرح المعارضة، جعل من ندائها المتكرر للتغيير أقرب إلى الظاهرة الصوتية منه إلى المشروع الحي الذي يمكنه أن يتحرك في الشارع ويصنع الفارق. وفي واقع الأمر، ترفض السلطة حكماً التعاطي مع المعارضة على أساس طرحها الداعي إلى إسقاط الرئيس بوتفليقة واعتبار منصبه شاغراً، لأن في ذلك طعناً في شرعية المؤسسات الدستورية. وبدلاً من ذلك، فقد وجّه، في كثير من المناسبات، الرئيس بوتفليقة وقادة أحزاب الموالاة، خاصة الأمين العام لـ"جبهة التحرير الوطني الحاكم"، عمار سعداني، نداءات للمعارضة من أجل الانخراط في مسعى تعديل الدستور. وأمام رفض المعارضة، واعتبارها أن موضوع الدستور ليس بأولوية، وصل الطرفان إلى طريق مسدود.
هنا، عادت أخيراً "حركة مجتمع السلم ــ حمس"، برئاسة عبد الرزاق مقري، (وهي حزب إسلامي محسوب على تيار الإخوان المسلمين، ومشارك في تنسيقية الانتقال الديموقراطي المعارضة) لتبادر إلى طرح مشاورات خاصة مع السلطة، تستهدف "إقامة الحجة عليها" وتطالبها بالجلوس مع المعارضة.
وبينما جرى اجتماع في الأسبوع الثاني من شهر تموز، جمع "حمس" إلى مدير ديوان الرئاسة الجزائرية، أحمد أويحيى، إلا أنّ هذه "المشاورات" بدلاً من أن تحقق الغاية المرجوة منها، ارتدت على المعارضة نفسها، مسببة أزمة داخلية، بخاصة ضمن "تنسيقية الانتقال الديموقراطي" بين "حمس" ومنافسها الإسلامي "جبهة العدالة والتنمية"، برئاسة عبد الله جاب الله.
واعتبر عدد من أعضاء المعارضة أنّ "حمس" خرقت الاتفاق الحاصل بين المعارضة على أن لا تتم مفاوضة السلطة إلا جماعياً، متهمين "حمس" بأنها تحاول العودة من جديد إلى أحضان السلطة بعدما قضت سنوات طويلة في الحكومة قبل أن تنتهي إلى المعارضة مع أحداث "الربيع العربي".
وعلى وقع هذا الخلاف الطارئ، تبدو أطراف المعارضة الجزائرية اليوم في حاجة إلى إعادة تنظيم صفوفها وتكييف استراتيجيتها للتغيير مع متطلبات المرحلة، من خلال الاتجاه إلى العمل الميداني وحشد المواطنين لمشروعها، من أجل دفع النظام السياسي إلى القبول بها كطرف مهم في المعادلة وإلى التفاوض معها على كيفية الخروج من الأزمة.





جيلالي سفيان لـ"الأخبار": تكتل المعارضة وصل إلى حدوده القصوى

اعتبر جيلالي سفيان، رئيس "حزب جيل جديد" المتكتّل في إطار "تنسيقية الانتقال الديموقراطي"، أن الخلاف المتفجر في صفوف المعارضة الجزائرية ليس حول المواقف التي ما زالت موحدة، ولكنه راجع إلى حساسيات ناجمة عن خلاف تاريخي، خاصة بين الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي و"الإخواني" منه تحديداً.
وقال جيلالي سفيان، في حديث إلى "الأخبار"، إن "المعارضة الجزائرية خطت منذ سنة ونصف خطوات كبيرة جداً، واستطاعت أن تصاهر بين تيارات شديدة التنافر على المستوى الأيديولوجي، على غرار التيار اللائيكي (العلماني) والإسلامي والوطني، لكنها بعد تحقق الوحدة وصلت إلى حدودها القصوى في المواقف المشتركة التي تتمثل في لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات وفترة انتقالية لتحقيق الانتقال الديموقراطي وتحقيق الحريات ودولة القانون".
وبوصول المعارضة إلى مرحلة الضغط على السلطة، قال سفيان إن "التقويم اختلف بين من يظن أن السلطة ما زالت قوية ويجب فتح حوار معها لإقناعها بجدوى التغيير، وبين فريق آخر يعتبر أن الوقت ليس في مصلحة الحكومة التي تعاني من متاعب اقتصادية جمة نتيجة انهيار أسعار البترول، ويطالبون وفق ذلك بانتظار أن يشتد الخناق على الحكومة للضغط عليها وإجبارها على الإصلاح والتغيير".