رفع الجيش اللبناني من إجراءاته الأمنية على طول خط الحدود مع سوريا في مرتفعات سلسلة جبال لبنان الشرقية الوعرة، وكثّف خلال الساعات الماضية من حركة دورياته ورصده للمنافذ والمعابر غير الشرعية التي يستخدمها مهربون من الجانبين السوري واللبناني. إجراءات أمنية تتطور كمّاً ونوعاً منذ بدء التحركات الشعبية في سوريا، والمطالبة بالإصلاح وإسقاط النظام. هذه الإجراءات المترافقة مع دهم لبعض المواقع المفترضة لتجار أسلحة ومهربين، لم تحجب ما يجري على أرض سهل البقاع من تحركات «سرية» وبعيدة عن الأضواء والإعلام لهيئات ومؤسسات دولية تابعة للأمم المتحدة، أو لهيئات أخرى تشرف عليها وتموّلها سفارات أجنبية عاملة في لبنان.
ففي الساعات الماضية، ارتفع الحضور الأجنبي في البقاع تحت عناوين مختلفة ولهدف واحد أو مشترك، ألا وهو مراقبة المناطق المتاخمة للحدود مع سوريا. وكشف تقرير اطّلعت عليه «الأخبار»، أنّ وفداً أمميّاً تابعاً للأمم المتحدة يُعنى بالقضايا الإنسانية وشؤون اللاجئين، استطلع الحدود اللبنانية مع سوريا قبل عدة أيام على نحو شبه سري في البقاعين الغربي والأوسط، إضافة إلى قيامه بجولات ميدانية لأشخاص يعملون مع هيئات مدعومة من سفارات أجنبية في البقاع الشمالي. وأوضح التقرير أنّ الوفد الأممي الأول أجرى مسحاً ميدانياً لكل النقاط الحدودية والمنافذ والمعابر غير الشرعية مع سوريا، لمعرفة مدى إمكان استخدامها لعبور نازحين سوريين مفترضين إذا ما شهدت سوريا تطورات أمنية أو تحركات شعبية تصعيدية، أو إذا أقدمت السلطات السورية على إقفال المعابر الشرعية مع لبنان.
وكشف التقرير نفسه أنّ هذا الوفد اجتمع مع شخصيات بقاعية ناشطة في العمل الأهلي، للاستيضاح منها عن مدى إمكان إقامة مخيمات لنازحين سوريين مفترضين، وأين تقع أفضل الأماكن لإقامة مخيمات كهذه. واستمع هذا الوفد الأممي «الإنساني» إلى وجهات نظر بعض هذه الشخصيات التي استبعدت احتمال تدفُّق نازحين سوريين إلى سهل البقاع، ولا سيما أنّ المناطق السورية المتاخمة للحدود مع البقاع لم تشهد حتى الآن تحركات شعبية تطالب بإسقاط النظام السوري، كما أنها لم تشهد أيضاً أي أعمال أمنية سورية قد تؤدّي إلى هروب عائلات سورية باتجاه لبنان. وأشار التقرير المذكور إلى أن هذا الوفد «الدولي» جال في المنطقة المتاخمة مباشرة للحدود مع سوريا في قضاء راشيا، حيث عقد لقاءات مختلفة مع فاعليات في المنطقة، مسجلاً ملاحظاته، ومحدِّداً النقاط الجغرافية التي يمكن إقامة مخيمات عليها، أو استخدامها كمعابر استثنائية لحالات إنسانية بحتة.
هذا الاستطلاع الدولي الذي خرج بانطباع مفاده (وفق التقرير) أن احتمال تدفُّق موجات نازحين سوريين إلى سهل البقاع «ضئيل جداً»، استُكمل باستطلاع مماثل لهيئات أخرى تموَّل من سفارات أجنبية في بيروت، وتعمل تحت إشرافها. ويقول متابعون لـ«الأخبار» إنّ مجموعة لا بأس بها من هذه الهيئات اللبنانية ـــــ الدولية، جالت على تخوم الحدود مع سوريا في البقاع الشمالي، وصولاً إلى وادي خالد شمالاً، حيث لوحظ خلال الساعات الماضية حضور «إنساني» لهذه الهيئات التي بدأت ترصد المعابر البرية الشرعية بين لبنان وسوريا في البقاع والشمال، وتسجل أعداد العابرين السوريين بالتنسيق مع مؤسسات أمنية لبنانية. كما رصدت هذه الهيئات إقامة عائلات سورية عند أقرباء لها في أكثر من بلدة وقرية في البقاع الشمالي. وقال مصدر أمني لـ«الأخبار» إن أعداد السوريين العابرين نحو لبنان تراجعت بنسبة 70 في المئة على مختلف المنافذ الشرعية، لكنّ «هناك أعداداً محدودة جداً من عائلات سورية دخلت لبنان بطريقة شرعية إلى بعلبك ومنطقتها، وأقامت عند أقرباء لها بعيداً عن الضجيج الإعلامي». وأوضح أنّ حركة التنقل الشرعي اللبناني نحو سوريا تراجعت أيضاً بنسبة تفوق 60 في المئة كمعدل وسطي منذ بدء التطورات الشعبية والأمنية في سوريا. وقد تزامن هذا التراجع في العبور أيضاً مع تراجع ملحوظ في النشاط التجاري البقاعي مع سوريا. ويقول عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة والزراعة في زحلة والبقاع، محمد بكري، لـ«الأخبار»، إن شهادات المنشأ التي تمنحها الغرفة لمصدّرين بقاعيين إلى السوق السورية، تراجعت بين 40 و50 في المئة مقارنةً مع العام الماضي لنفس الفترة الفصلية من السنة، بينما تراجعت حركة التبادل التجاري نحو 60 في المئة. كذلك الحال سياحياً، إذ إنّ الحركة بين البقاع وسوريا تدنّت بنسبة 70 في المئة.
وبالتزامن مع هذه «التراجعات» الاقتصادية، فقد لوحظ خلال الأسابيع الماضية تراجع كبير في حركة عبور السياسيين اللبنانيين إلى دمشق وريفها عبر نقطة المصنع الحدودية، في ظل ارتفاع وتيرة عبور السيارات الدبلوماسية العائدة لسفارات عربية وأجنبية عاملة في دمشق نحو الداخل اللبناني. وكشف متابعون لـ«الأخبار» أن العبور الدبلوماسي العربي والأجنبي إياباً من دمشق، وذهاباً فورياً من لبنان، كان نشطاً خلال الأيام الماضية، وأنّ هذا النشاط غير المسبوق مرتبط مباشرة بما يجري من تطورات في الداخل السوري.