عكار | انتقلت تداعيات الاضطرابات السورية صباح أمس إلى بلدة الدبابية والنورا الملاصقتين للحدود من ناحية بلدة حالات السورية التي نزح أهلها عن «بكرة أبيهم» كما قال مختار الدبابية نور الدين كوجا؛ إذ امتلأت المسافة الفاصلة بين البلدة والحدود، التي قدّرها بثمانمئة متر بالأهالي النازحين، مقدراً عدد النازحين بأكثر من خمسمئة أسرة، حاملين معهم أمتعتهم الشخصية فقط، وقد أحدثوا حالة هرج ومرج لحظة وصولهم، وخاصة أن أصوات الرصاص والقذائف كانت لا تزال مسموعة في بلدة الدبابية لحظة وصول النازحين قرابة العاشرة صباحاً.
مع وصول النازحين إلى بلدة الدبابية، تلقى المختار كوجا اتصالاً من استخبارات الجيش تطلب فيه إعداد لائحة بأسماء النازحين، لكن كوجا لم يتمكن إلا من إحصاء الأشخاص الذين استوعبتهم بلدة الدبابية البالغ عددهم مئتين بين طفل وامرأة وبعض الرجال الذين يعملون في المنطقة. أما باقي النازحين فقد توجهوا إلى قرى وبلدات الدريب في عكار، وخصوصاً قرية النورا المجاورة، ثم الكواشرة وعيدمون والبيرة والدوسة وعمار البيكات ومشحا، والتحق قسم منهم بالنازحين إلى وادي خالد، وخاصة القادمين من تلكلخ، وهم أولئك الذين لم يعد بإمكانهم التوجه مباشرة إلى الوادي عبر منطقة العريضة، بسبب الطوق الأمني الذي ضربته القوات السورية في تلك المنطقة. وقد أفاد من وادي خالد مختار العوادة فايز عبد الله بأن مئتي شخص تمكنوا من الوصول إلى الوادي بواسطة شاحنة كبيرة في ساعة متأخرة من الليل. لكن عبد الله شكا قلة المساعدات التي اقتصرت على علبة حليب وكيلوغرام من الأرز للأسرة. وقد أكد الأمر نفسه مختار عيدمون الذي قال «إن 27 شخصاً ينامون على الأرض في منزل واحد يخص أحمد عبد الحميد».
وفي جولة على النازحين، كانت عائلات المجموعة الأولى مجتمعة في منزل هيثم مصطفى، حيث كان الرجال موجودين بخلاف معظم العائلات، وقد تحفظوا على ذكر أسمائهم بسبب خوفهم من المساءلة في حال عودتهم إلى سوريا، لكنهم أجمعوا على أنهم «شغيلة يعملون في لبنان، لكنهم رفضوا العودة بينما نساؤهم وأطفالهم مشرّدون خارج البلد».
أحد هؤلاء الرجال متزوج جميلة كوجا من بلدة الدبابية، وقد أفادت بأن الوضع «شي متل الكذب، حالات يحاصرها الجيش، ونحن نخاف من الشبيحة، ونخشى أن يحصل عندنا ما حصل في تلكلخ».
على مسافة قصيرة بعد الدبابية تقع قرية النورا الأقرب إلى الحدود. وخلال التحدث إلى أربع عائلات اجتمعت في منزل عثمان درويش، سمع دوي رعد قوي أخافهم جميعاً، ظناً منهم أنه صوت قذيفة انفجرت بالقرب من المنزل. أم طه تقول إن القرية محاصرة من كل النواحي، الاتصالات مقطوعة، ولم نتعرض للقصف، لكننا نتوقع أن يحدث ذلك في الليلة المقبلة، وقد حاولنا أن نرحل أمس، لكن الجيش السوري منعنا عند الحدود، فقامت «الضيعة ونزلت كلها، وبالقوة استطعنا عبور الحاجز، وأكملنا الطريق رغم إطلاق النار الكثيف. أم طه تقول إنها جرّت معها ابنيها، وحملت طفلها ابن الثمانية أشهر». أم طه تقول إن أخاها «محبوس منذ 9 أشهر، مدري لأنه مهرب أو لأنه سلفي، والله ينصرهم».
وفي منزل حسين درويش، تقول أم محمد إنها جاءت مع النازحين ومعها «الصغير والكبير من الأولاد، جئت بحالي من دون أن أحمل معي أي شيء. أما حماتي المسنّة فقد بقيت هناك. بسرعة فائقة عبّونا الرجال بالسيارات ودبّونا بالنهر كي نقطع باتجاه النورا». أما حورية درويش (ثمانون عاماً)، وهي في الأصل من قرية النورا ومتزوجة سورياً، فلدى سؤالها عن الوضع قالت: «خليها على الله»، غير أن أحدهم وشوشها، فأضافت: «عم يقتلونا، وكله من ورا الرئيس، لاحقين ضيع الإسلام وعم يضربوها». على أي حال، ولدرء تداعيات انتشار النازحين في عكار، صدر عن قيادة الجيش بيان أكدت فيه أن وحدات الجيش «عززت انتشارها الميداني على امتداد هذه الحدود، وأقامت نقاط تفتيش ثابتة ومتحركة، وسيّرت دوريات مكثفة لمنع أعمال التسلل بالاتجاهين. وتحذر قيادة الجيش من أي محاولة للإخلال باستقرار هذه المنطقة وتعريض حياة المواطنين على جانبي الحدود للخطر، وتؤكد أنها ستتخذ أقصى الإجراءات القانونية بحق المخالفين».