دخل الملف الليبي مرحلة جديدة من التدويل بطابع قضائي مع إصدار مذكرات توقيف بحق القذافي ونجله، فيما تعمل الدول المتابعة للشأن الليبي على حلّ سياسي يمكّن القذافي من الاستقالة وإقامة حكومة «مصالحة»صدرت عن المحكمة الجنائية الدولية، أمس، مذكرات توقيف طالت مسؤولين ليبيين، في مقدمتهم الزعيم معمر القذافي ونجله سيف الإسلام، في وقت كشفت فيه صحيفة «الغارديان» البريطانية أن منشقين ليبيين، بينهم وزير الخارجية السابق موسى كوسا، يساعدون منظمة حلف شمالي الأطلسي على قصف المواقع العسكرية السرية للعقيد القذافي.
وأعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، أنه طلب إصدار مذكرات توقيف بحق القذافي، وابنه سيف الإسلام، ورئيس الاستخبارات الليبية عبد الله السنوسي، بتهمة ارتكاب جرائم بحق الإنسانية. وقال أوكامبو: «جمع المكتب (الادعاء) أدلة مباشرة على أوامر أصدرها معمر القذافي بنفسه وأدلة مباشرة على تجنيد سيف الإسلام مرتزقة وأدلة مباشرة على مشاركة السنوسي في الهجمات على المتظاهرين». وقال إن مكتب المدعي جمع أدلة أيضاً على عقد الثلاثة اجتماعات «للتخطيط للعمليات»، وإن القذافي استخدم «سلطته المطلقة في ارتكاب جرائم في ليبيا». وأكد أوكامبو أنه يسعى إلى استصدار أمر اعتقال للقذافي ونجله سيف الإسلام والسنوسي.
وعن السرعة غير المسبوقة في تاريخ قرارات المحكمة الدولية، في التحقيق الذي يجريه؛ إذ جاء طلب إصدار أوامر الاعتقال بعد شهرين ونصف شهر فقط من إحالة مجلس الأمن أعمال العنف على المحكمة، أوضح أوكامبو أن السرعة في التحقيق ترجع إلى الإجماع العالمي على أن الجرائم التي ارتكبت في ليبيا يجب التحقيق فيها. وفي أول رد فعل دولي على هذا القرار، رحّبت بريطانيا بطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية، وقال وزير الخارجية وليام هيغ «إن وضع حقوق الإنسان في غرب ليبيا وسلوك نظام القذافي لا يزال مصدر قلق بالغ... وطلب إصدار مذكرات اعتقال، هو تذكير للجميع في نظام القذافي بأن الجرائم لن تمر من دون عقاب وأن ذراع العدالة الدولية ستكون طويلة». ودعا وزير الخارجية البريطاني الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى «تقديم التعاون الكامل بشأن مذكرات الاعتقال، سواء أكانت أطرافاً في نظام روما الأساسي (حول المحكمة الجنائية الدولية) أم لا».
من جهة ثانية، قال وزير الخارجية الإيطالي، فرانكو فراتّيني، إن ساعات نظام العقيد الليبي «باتت معدودة»، معلناً أن إيطاليا تعمل وحلفاءها على حلّ سياسي يمكّن القذافي من الاستقالة وإقامة حكومة «مصالحة».
ونقلت وكالة الأنباء الإيطالية «أكي» عن فراتيني قوله إن التهديدات التي يطلقها النظام الليبي «محاولة أخيرة يائسة من النظام تتمثل بالتهديد والتهويل»، وتابع: «لنضع الدعاية جانباً ولنقل إن ساعات النظام باتت معدودة». وأضاف: «هذا ليس مجرد ما نأمل به، بل رسائل بدأت تصل من الطوق المفروض من النظام»، لافتاً إلى أن «بعض من هم داخل هذا الطوق بدأوا يقولون إن القذّافي يبحث عن مخرج مشرِّف، من دون أن يُقتل بالتأكيد، ولا أحد يريد هذا». وأعلن أن إيطاليا تعمل مع حلفائها للتوصل إلى حلّ سياسي سيمكن العقيد القذافي من الاستقالة، مؤكداً أن الحلّ سيوفر «مخرجاً سياسياً يزيل القذافي وعائلته من المشهد»، ويمكّن من إنشاء حكومة «مصالحة وطنية» يمكن بعض الأعضاء في حكومة القذافي أن يشاركوا فيها.
في هذا الوقت، نقلت صحيفة «الغارديان» عن مسؤولين ليبيين وصفتهم بأنهم بارزون قولهم إن موسى كوسا «مرّر معلومات لا تُقدر بثمن عن التركيبة العسكرية لنظام القذافي، بما في ذلك الأماكن الدقيقة لأجهزته الأكثر حساسية». ونسبت الصحيفة إلى مسؤول ليبي أشارت إلى أنه عمل مع كوسا، قوله إن وزير الخارجية السابق «كان بمثابة الصندوق الأسود لنظام القذافي، وكنت معه قبل يوم مغادرته، لكن لا أحد كان يعرف أنه سينشق».
وذكرت أن كوسا أمضى شهراً في بريطانيا، ثم توجه إلى قطر، حيث يُعتقد أنه يساعد حلف الأطلسي على وضع خريطة للمواقع العسكرية السرية للقذافي. وقالت الصحيفة إن مخططي العمليات العسكرية في حلف الأطسي كثّفوا الغارات الجوية في الآونة الأخيرة على مواقع القذافي في العاصمة الليبية طرابلس، ولقي نجله سيف العرب حتفه في واحدة منها. وكان كوسا قد انشق ولجأ إلى بريطانيا في مطلع نيسان الماضي بعد أن خدم أكثر من 30 عاماً في نظام القذافي، تولى خلالها منصب رئيس الاستخبارات ووزير الخارجية.
الى ذلك، أعلن رئيس الوزراء الليبي، البغدادي المحمودي، لدى استقباله الموفد الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، عبد الإله الخطيب، استعداد نظام القذافي لوقف إطلاق نار فوري يتزامن مع وقف ضربات الحلف الأطلسي. وأكد المحمودي القبول بقدوم مراقبين دوليين للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار، مؤكداً حق الليبيين في تقرير شؤونهم الداخلية ونظامهم السياسي من خلال «حوار ديموقراطي» بعيداً عن القصف والتهديد.
ميدانياً، شنّ حلف شمالي الأطلسي غارات جديدة على ضاحية طرابلس الشرقية حيث دمر رادارات. وأفادت وكالة الأنباء استناداً إلى مصدر عسكري بأن «مواقع مدنية وعسكرية» في منطقة تاجوراء كانت هدفاً لغارات الحلف الأطلسي، مشيرة إلى سقوط «خسائر بشرية ومادية».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)