عكار | بدأت تداعيات الاضطرابات في الداخل السوري تطل برأسها عبر الحدود اللبنانية، وتحديداً في وادي خالد، حيث سجلت أول حالة وفاة لامرأة لبنانية تدعى فاطمة قاسم من بلدة تلمعيان في سهل عكار، في وقت شهد فيه أول من أمس نزوح المزيد من السوريين إلى الداخل اللبناني، هرباً من الاشتباكات داخل الأراضي السورية. ووفقاً لبعض المعلومات، تعرضت قاسم لإطلاق نار من الجانب السوري لدى عودتها من سوريا عن طريق جسر قمار في وادي خالد. وبينما كان عنصر من الجيش اللبناني، من ضمن القوة الأمنية المشتركة لضبط الحدود، يهمّ بانتشال المرأة القتيلة، تعرض لإطلاق نار فأصيب بطلقتين في رجليه، فيما تحدثت معلومات عن إصابة ثلاثة جنود آخرين.
وحتى ظهر أمس كانت لا تزال جثة قاسم في مستشفى السلام في القبيات، بانتظار قدوم الطبيب الشرعي للكشف عليها قبل تسليمها إلى أهلها الذين اتهموا عناصر من الجيش السوري بالوقوف وراء إطلاق النار.
بدورها، نُقلت بلهاء الدويري إلى مستشفى السلام أيضاً، بعد إصابتها بجروح إثر تعرض منزلها القريب من الحدود لإطلاق نار من قناصة يتمركزون داخل الأراضي السورية، بحسب ما قال شقيق المصابة، الذي كان يتحدث بغضب شديد لعدم تمكن المستشفى من معالجة شقيقته، وهو ما استدعى نقل الجريحة إلى مستشفى آخر في بلدة حلبا.
وفيما أكد مختار بني صخر، مشهور السالم، أن أصوات القذائف والانفجارات تسمع بوضوح، وأن الرصاص يخترق وادي خالد حتى مسافة كيلومتر من الحدود، تواصل نقل عدد كبير من القتلى والمصابين السوريين إلى مستشفيات عكار. وعُرف من القتلى الجندي في الجيش السوري فواز حميدان، وجريح آخر من الجيش السوري يدعى عبد العزير حسن.
وبينما كانت سيارات الصليب الأحمر والهلال الأحمر تجوب الطرق بين وادي خالد ومختلف مستشفيات عكار، كان الجيش اللبناني يستقدم تعزيرات عسكرية إضافية، للتمركز بالقرب من الحدود، بحسب ما أفاد مختار الهيشة، محمد ضرغام الأحمد.
كذلك تكثفت حركة المركبات الخاصة بالقوة الأمنية المشتركة لضبط الحدود، فيما لوحظ تعدد الأجهزة الأمنية في باحات المستشفيات لتسجيل هويات القتلى والجرحى ونوعية الإصابات، وهو ما أثار تململ العناصر الأمنيين، إذ كانت المعلومة نفسها يقدمها عنصر من الاستخبارات وعنصر من قوى الأمن الداخلي، وإلى جانبهما عنصر من الأدلة الجنائية ينتظر قدوم الطبيب الشرعي.
ويأتي تعزيز الوجود الأمني بعد يوم من نزوح مئات العائلات من تلكلخ إلى وادي خالد، علماً بأن عمليات النزوح توقفت أمس بسبب سوء الأوضاع الأمنية على الحدود، فيما أفاد مصدر أمني لبناني بأن جنديين من الهجانة السورية ألقى القبض عليهما أهالي وادي خالد، ثم تسلّمتهما الأجهزة الأمنية اللبنانية. غير أن نائب رئيس بلدية المقيبلة، أحمد العكاري، أوضح لـ«الأخبار» أن الجنديين فرّا من المعارك، ودخلا الأراضي اللبنانية، فسلّمهما الأهالي إلى الاستخبارات اللبنانية.
من جهة ثانية، أضاف العكاري أنه بسبب الشائعات التي تتحدث عن مشاركة بعض أبناء وادي خالد في الأحداث في منطقة تلكلخ، تعرّض بعض الأهالي الغاضبين لموفدي قناة «الجديد»، بعدما ذكرت الأخيرة أن «مصادر غير مؤكدة أفادت بأن أكثر من عشرة مسلحين لبنانيين دخلوا من منطقة وادي خالد إلى بلدة تلكلخ السورية لمساندة مجموعة تشتبك مع الجيش السوري في تلك المنطقة».
وعبّر العكاري عن استنكاره لما صرّحت به القناة، فيما أبلغ «الأخبار» مختار العماير خضر الحجة، أن القناة لم تكن مستهدفة، بمقدار ما كان الهدف صاحب السيارة التي تقل الصحافيين، عبد الرزاق الخالد، بداعي خلافات شخصية، إلّا أن مصوّر القناة الزميل عصام رجب، أفاد بأن الهدف هو التعرض لقناة «الجديد» بالتحديد.
في غضون ذلك، توجّه رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء يحيى رعد، بناءً على توجيهات رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، إلى وادي خالد لمعاينة حاجات النازحين.
بدوره، اجتمع وزير الدولة لشؤون المهجرين سليم الصايغ، في وادي خالد، مع مخاتير ورؤساء بلديات المنطقة ومع عيّنة من الوجوه في مركز الخدمات الإنمائية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية في المنطقة، بغرض تنظيم مساعدة النازحين.
في هذه الأثناء، فرضت الأحداث في سوريا، وخصوصاً مع اقترابها من الحدود اللبنانية، أجندتها على مسرح المناقشات في مختلف المناطق العكارية. ومن المعلوم أن عكار تشهد تنوعاً سياسياً وطائفياً يفرز أكثر من خطاب وموقف ممّا يجري في سوريا. فهناك من يؤيّد النظام السوري، ومن يعارضه، ومن يلتزم جانب الصمت والحذر. ولعلّ منطقة سهل عكار أكثر المناطق تأثراً بما يجري في سوريا، وأبلغ تعبير عن ذلك، أنه في تلك المنطقة لا تزال ترتفع صور الرئيس السوري بشار الأسد، وغيرها من العبارات المؤيدة له.
لكن سقوط أول قتيلة من تلمعيان، إحدى بلدات السهل، كان مناسبة للتعبير عن حرص أبناء البلدة على عدم ربط المشهد السوري بالتناقضات السياسية اللبنانية.
وأكد نائب رئيس المجلس البلدي في تلمعيان علي أحمد سعد لـ«لأخبار» «أن العيش المشترك في سهل عكار خط أحمر مهما كانت الظروف».
وبعدما أوضح أن محاولة عبثية أقدم عليها أحدهم، «إما بدافع صبياني وإما بسبب طابور خامس يسعى إلى جرنا إلى الفتنة»، من خلال التعرض لأحد الرموز الدينية، شدد على وجود توافق بين مختلف الأطياف في سهل عكار على تجنّب كل ما من شأنه تعريض وحدتنا الداخلية والعيش المشترك لأي خطر.