قبيل تولي فلاديمير بوتين رئاسة روسيا عام 2000، تحدثت صحيفة «ازفستيا» عن ثلاثة أسباب تفسّر رغبة روسيا في توطيد علاقاتها مع سوريا. قالت «أولاً، موسكو قادرة على إقناع دمشق بتحقيق السلام مع إسرائيل. ثانياً، تملك روسيا قاعدتها العسكرية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط في طرطوس. والأهم من ذلك أن دمشق كانت مستعدة للدفع النقدي في مقابل شراء الأسلحة من موسكو». مرت أكثر من عشر سنوات. لم تتوقع روسيا، ربما، أن تكون حليفتها في الشرق الأوسط مهددة بالسقوط. لم تتوقع أن يصرخ السوريون: «الشعب يريد إسقاط النظام». صرخة السوريين هذه أجبرت الروس على التكلّم. لم يعد باستطاعتهم الوقوف جانباً كما فعلوا في تونس ومصر، حين اكتفوا بالتصريحات «المتوجبة عليهم» بحسب أصول الدبلوماسية.
سبب هذا الحرص أعلنته صحيفة «ترود» الروسية، حين تساءلت عن النتائج التي قد تترتب عن تغيير النظام في سوريا على الصعيد الخارجي. قالت إن روسيا ستكون الأكثر تضرراً في هذه الحال، لأن دمشق هي الحليف الوحيد لموسكو في الشرق الأوسط، وأكبر مشترٍ للسلاح الروسي في المنطقة.
الخبير العسكري الروسي قسطنطين ماكيينكو أشار إلى أن سوريا تشغل المرتبة الخامسة بين ثمانين دولة تستورد أسلحة ومعدات حربية روسية، مشيراً إلى أن موسكو باعت دمشق صواريخ «ياخونت» الحديثة رغم معارضة تل أبيب الشديدة، ولفت إلى ميناء طرطوس السوري، حيث القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة خارج المجال السوفياتي السابق. ورأى أن سقوط النظام السوري سيعني نهاية مبيعات السلاح الروسي لهذا البلد، لأن أي سلطة جديدة فيه ستقلص النفقات العسكرية بغية تلبية الاحتياجات الاجتماعية.
من دون سوريا، ستتحول روسيا إلى «رجل عارٍ» في منطقة الشرق الأوسط، هي التي فشلت في الحفاظ على حلفائها في المنطقة في عهد الاتحاد السوفياتي السابق. وهذا يُفسّر التصريحات الروسية المتواصلة التي تتمحور حول فكرة أن سوريا ليست ليبيا. فموسكو حاولت منذ بدء الاحتجاجات دعم النظام، مغلفة دعمها هذا بالتركيز على أهمية الإصلاحات، مع تبني الرواية الرسمية للاحتجاحات. هكذا اعترفت موسكو بضرورة إجراء إصلاحات وسط إحاطة النظام برعايتها معنوياً. وزير الخارجية سيرغي لافروف قال إن الوضع في سوريا مختلف. فالدلائل تشير إلى أن مناهضي النظام لجأوا إلى العنف منذ بداية الاضطرابات، لافتاً إلى ضرورة عدم تكرار السيناريو الليبي، وخصوصاً بعدما أسيء استعمال التعاون البنّاء الذي أبدته روسيا في هذا المجال.
وفي السياق، أشارت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» إلى أن قرار الولايات المتحدة إجلاء دبلوماسييها من سوريا هو تمهيد لتدابير ستتخذها واشنطن بحق دمشق، كتلك التي فُرضت على ليبيا.
تزامن التدخل الخارجي في ليبيا وفق القرار 1973 مع بدء الاحتجاجات في سوريا. حينها، امتنعت روسيا عن التصويت ورفضت استخدام حق النقض الفيتو. إلا أنها عادت وعوّضت عن ذلك بتصريحات شبه يومية تندد بالتدحل الخارجي ومحاولات تجاوز القرار. هذه التصريحات لا تتعلق بليبيا وحدها، بل هي نوعٌ من حماية مسبقة لسوريا، وخصوصاً أن روسيا تستشرف سيناريو ليبيا في دمشق كمحطة ثانية، وطهران كمحطة ثالثة وأخيرة. وهذا ما أعلنه لافروف جهارة يوم الجمعة الماضي، إذ حذر من أي تدخل أجنبي في سوريا، داعياً المعارضة السورية إلى عدم تكرار «السيناريو الليبي». وقال «إننا قلقون جداً لأن عملية المصالحة وبدء الحوار قد تأخّرا بسبب نيات بعض المشاركين في هذه العملية لجهة استدراج قوات أجنبية لدعم تحركاتهم». وأوضح أن روسيا تأمل «ألا يتكرر السيناريو الليبي مع أطراف أجنبية تتدخل في الوضع (السوري) بما في ذلك عبر اللجوء إلى القوة».
وكان مصدر في وزارة الخارجية الروسية قد أكد أن روسيا لا تريد إجراء مناقشة في مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في سوريا كما يرغب الغربيون. وقال «يجب عدم مناقشة (الوضع في) سوريا في مجلس الأمن، إنه أمر بديهي»، مضيفاً إن «المعارضة السورية مسؤولة عن العنف، لذلك فإن الوضع ليس كما هو في ليبيا، إذ إن تحرك القوات الحكومية أدى إلى تصعيد المواجهات».
لا شك أن روسيا تخشى سقوطاً سورياً. وإذا ما قررت الولايات المتحدة والدول الأوروبية التصويت لمصلحة تدخل مباشر لحل الأزمة هناك، يرجح هذه المرة أن تستخدم روسيا حق النقض الفيتو. هذا التوجه يبدو موازياً لتصريحات خبراء عسكريين، أكدوا أن عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سوريا لن تؤثر على التعاون العسكري الروسي مع دمشق.
إذاً، ها هي روسيا تقف في وجه الغرب دعماً لسوريا، تسعى إلى الحؤول دون خسارة ما بقي لها في هذه المنطقة سياسياً واقتصادياً، وخصوصاً أن موسكو نسجت علاقات مع أطراف ما يسمّى «الممانعة» في المنطقة لتجميع أوراق خاصة بها ومواجهة واشنطن. فهل تنجح روسيا بما فشلت به في ليبيا، وقد خسرت عقوداً اقتصادية بأربعة مليارات دولار؟