تصدّر الموقف الأميركي الجديد، أمس، المشهد السوري، عشيّة يوم الجمعة الذي يشهد عادةً تظاهرات في العديد من المناطق. واشنطن، التي لم تصل بعد إلى مرحلة مطالبة الرئيس بشار الأسد بالتنحّي، أعلنت نيتها تصعيد الضغط على دمشق، لتواكب الموقف الأوروبي، فيما أُعلنت سلسلة اعتقالات في عدد من المناطق السوريّةرفعت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أمس لهجتها حيال سوريا، إلا أنها بقيت تحت سقف «المطالبة بإصلاحات ديموقراطية»، في وقت ظهرت فيه دعوات على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» إلى تظاهرات في «جمعة حرائر سوريا»، التي تزامنت مع اعتقالات وبث السلطات السورية اعترافات لـ«مجموعات إرهابية».
وقالت كلينتون، التي تزور غرينلاند لإجراء محادثات مع وزراء خارجية دول تشترك في المنطقة القطبية الشمالية، إن واشنطن وحلفاءها يبحثون سبل زيادة الضغوط على الحكومة السورية للموافقة على إجراء إصلاحات ديموقراطية، معتبرة أن «عزلة الرئيس السوري بشار الأسد تتزايد». وتابعت «تواصل الحكومة السورية رغم الإدانة الدولية الواسعة عمليات انتقامية صارمة ووحشية ضد مواطنيها». وأشارت الى أمثلة على اعتقالات غير قانونية وعمليات تعذيب وحرمان مصابين من الرعاية الطبية. وقالت «ربما يكون هناك الآن البعض ممن يعتقدون أن هذا علامة على القوة... لكن معاملة المرء لشعبه بهذه الطريقة هي في الحقيقة علامة على ضعف ملحوظ». ورأت أن الأحداث الأخيرة في سوريا تظهر أن الدولة «لا يمكنها العودة إلى ما كانت عليه من قبل»، مشيرة إلى أنه يجب أن يكون لسوريا حكومة تعكس إرادة كل الشعب.
في هذا الوقت، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول أميركي قوله في ما يتعلق بالمطالبة برحيل الرئيس السوري «لم نصل الى هذه المرحلة بعد. إنه قرار خطير والأمر لا يقوم فقط على التفوّه بالكلمات، بل تحمّل عواقبها».
وبالتزامن مع التصعيد الأميركي، برز موقف صيني ينادي بعدم التدخّل في شؤون سوريا. إذ قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، جيانغ يو، «سوريا دولة مهمة في الشرق الأوسط. نأمل أن تظل مستقرة وأن يتمكن كل الأطراف من حل كل الخلافات من خلال الحوار السياسي وتجنب إراقة الدماء». وأضافت «نعتقد أيضاً أن العالم الخارجي يجب ألا يتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا لتفادي إضافة عوامل معقدة. نأمل أن يؤدي المجتمع الدولي دوراً بناءً في تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط».
بدوره، جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دعم روسيا ووقوفها الى جانب سوريا في المحافل الدولية. وقال إن الوضع الذي تشهده سوريا حالياً مختلف عن غيره في المنطقة. وأضاف، في مقابلة مع صحيفة «موسكو فيسكيه نوفوستي»، إن «هناك الكثير من الوقائع الملموسة في سوريا تدل على أن المعارضة استخدمت منذ البداية أساليب القوة، ما أدى الى وقوع ضحايا بين المدنيين وقوى الأمن». وقال إن بلاده وقفت مع أكثر من نصف أعضاء مجلس الأمن الدولي ضد مشروع بيان يدين سوريا في المجلس، مضيفاً إن موسكو «ستنظر عبر عدسة مكبرة جداً في أي اقتراحات جديدة لمجلس الأمن تتعلق بالتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة، وذلك انطلاقاً من تجربة ليبيا المؤسفة».
ميدانياً، ذكر رئيس المركز السوري للدفاع عن معتقلي الرأي وحرية التعبير، المحامي خليل معتوق، لوكالة «فرانس برس» «أن قوات الأمن ألقت القبض الخميس على الناشط الحقوقي نجاتي طيارة في مدينة حمص (وسط)». وأشار إلى أن «طيارة اقتيد الى جهة مجهولة». وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، «بأن الأجهزة الأمنية شنت حملة اعتقالات واسعة في عدة مدن سورية، طالت معارضين ونشطاء ومتظاهرين». وأشار البيان الى أن قوات الأمن اعتقلت في «مدينة بانياس رئيس مجلس البلدية عدنان الشغري والمحامي جلال كندو، وفي دمشق الناشط بسام حلاوة وفي دير الزور (شمال شرق) اعتقلت عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الديموقراطي السوري المعارض البارز فوزي الحمادة». وأشار المرصد الى اعتقال العديد من النشطاء في دوما (ريف دمشق) وفي حمص (وسط) وفي حلب (شمال) وفي كفرنبل (ريف إدلب، شمال) والعشرات في اللاذقية (غرب) وجبلة (غرب) وريف دمشق وفي قريتي البيضا والقرير المجاورتين لبانياس.
بدوره، أعلن رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن لـ«يو بي آي»، أن عدد «الشهداء من المدنيين» منذ بداية الأحداث في سوريا في آذار الماضي، بلغ 682 «موثّقين بالأسماء»، فيما عدد المعتقلين فاق تسعة آلاف.
وكانت «فرانس برس» قد ذكرت أول من أمس أن قوات الأمن السورية استخدمت الهراوات لفض تظاهرة للمطالبة بالديموقراطية، شارك فيها 2000 طالب في حرم جامعة حلب، ثانية كبرى مدن البلاد. وأضافت إن التظاهرة التي اندلعت ليلاً قرب المباني المخصصة لإقامة الطلبة طالبت بإنهاء حصار حمص ودرعا وبانياس. وتابعت إن الشرطة السرية أغلقت الطريق الرئيسي المؤدي من وسط حلب إلى الجامعة في حي الفرقان في غرب المدينة.
إلى ذلك، بث التلفزيون السوري مساء أول من أمس اعترافات «مجموعة إرهابية مسلحة» ممن اعتقلتهم وحدات الجيش والقوى الأمنية خلال تنفيذ مهمتها بملاحقة «المجموعات الإرهابية» المسلحة في منطقة
بانياس. وبحسب وكالة الأنباء السورية «سانا»، فإن وحدات الجيش والقوى الأمنية ضبطت كمية من الأسلحة والذخائر والمتفجرات التي كانت معدّة للاعتداء على عناصر الجيش والقوى الأمنية والممتلكات العامة والخاصة، كما تمكنت وحدات الهندسة في الجيش من تفكيك العديد من العبوات الناسفة التي كانت تستهدف خط النفط وخط السكك الحديدية وجسر القوز بمحاذاة أوتوستراد طرطوس، حيث وضع الإرهابيون العديد من العبوات الناسفة الأخرى في مغلفات غذائية وأكياس قمامة بالقرب من الأرصفة القريبة من تمركز وحدات الجيش.
(ا ف ب، رويترز، يو بي أي، أ ب)



الأمم المتحدة: سوريا ممرّ للأسلحة الإيرانيّة

في ما يبدو أنه محاولة لزيادة الضغط الدولي على سوريا، نشرت وكالة «رويترز» أمس ما قالت إنه «تقرير سرّي» عن الانتهاكات الإيرانية للعقوبات الدولية. وأشار التقرير إلى أن «معظم الانتهاكات الإيرانية للحظر على الأسلحة، الذي تفرضه الأمم المتحدة، كانت شحنات غير مشروعة من الأسلحة إلى سوريا».
وأعد التقرير ما يعرف بـ«لجنة الخبراء في مجلس الأمن»، التي تألفت حديثاً لتقديم تقارير عن امتثال إيران لأربع حزم من عقوبات الأمم المتحدة فرضت على طهران لرفضها وقف برنامج لتخصيب اليورانيوم. وقال «التقرير السري»: «تشير اللجنة إلى أن سوريا التي تربطها علاقة قديمة ووثيقة بإيران كانت طرفاً في معظم حوادث الانتهاكات المتصلة بأسلحة تقليدية». وأضاف: «في كل هذه الحوادث التي فحصتها اللجنة، أُخفيَت مواد محظورة بحرص لتفادي اكتشافها أثناء التفتيش الروتيني، وإخفاء هوية المستخدم النهائي». وأشارت اللجنة إلى أنّه مرجح أن «عمليات نقل السلاح حدثت دون أن تكتشف أو أن شحنات أخرى غير مشروعة اكتُشفت لكن لم تُبلَّغ لجنة (العقوبات) عنها». وتابعت تقول إن سوريا كانت الجهة التي تتجه إليها الشحنات في ست عمليات لنقل أسلحة تقليدية من بين تسعة أُبلغت اللجنة بها. وأضاف التقرير أن اللجنة «تنتظر رد سوريا على أسئلتها».
وأشارت اللجنة إلى أن إيران في ما يبدو «توسع وجودها في أفريقيا، سواء من خلال التجارة المتنامية أو النشاط الدبلوماسي. بالتزامن مع هذا، هناك مزاعم عن أن الحرس الثوري الإسلامي الإيراني يتوسع أيضاً في المنطقة». وتطرّق التقرير إلى حالة اشتكت فيها السلطات النيجيرية للجنة العقوبات عن شحنة أسلحة إيرانية ضبطت العام الماضي. وقالت طهران إن شحنة الأسلحة كانت صفقة تجارية مشروعة مع غامبيا.
وتحقق نيجيريا مع أحد إيرانيَّين اثنين يشتبه في تورطهما في الصفقة. ويقول دبلوماسيون في الأمم المتحدة إن الإيرانيين لهما صلات على ما يبدو بالحرس الثوري.
وهناك حالات أخرى حاولت فيها إيران تصدير أسلحة تقليدية في انتهاك للحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة. وقال التقرير إن من بين الدول التي كشفت عن مثل هذه المحاولات تركيا وقبرص وألمانيا وإسرائيل وبريطانيا. وتنوعت الأسلحة بين طلقات ومدافع رشاشة ومتفجرات إلى صواريخ صغيرة وقاذفات صواريخ.
وفي ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، قال التقرير إن من المعتقد أن طهران «تقترب من استنفاد إمداداتها من أوكسيد اليورانيوم». وأضاف أن إيران قد تبحث بالتالي عن مصادر إضافية لليورانيوم مطلوبة لتحقيق توسع نشاط تخصيب اليورانيوم الذي تخطط له. ويخلص التقرير إلى أن العقوبات «تبطئ برنامج إيران النووي، لكنها ليس لها حتى الآن أي تأثير على حسابات قياداتها في ما يتعلق بوقف أنشطة تخصيب اليورانيوم والأنشطة المتعلقة بالماء الثقيل».
(رويترز)