القدس المحتلة | ما إن يذكر اسم القدس، هذه المدينة المحتلة منذ عشرات السنين، حتى تجبرك الذاكرة على عرض شريطها الغنيّ بكل ما في هذه المدينة من تاريخ وتراث، فتتخيل سورها القديم العظيم، وأبواب المدينة التاريخية السبعة، باب العمود، باب الساهرة، باب الأسباط، باب المغاربة، باب النبي داوود، باب الخليل، وباب الجديد، لتصل في مخيلتك إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ولتخرج بعدها في جولة في محيط هذه المدينة التاريخية.منذ عام 1976 تحاول إسرائيل تهويد المدينة. تهويد لم يقتصر على البشر، وذلك عبر إجراءات طرد المقدسيين وإلغاء بطاقاتهم الخضراء بحجة الغياب عن المدينة أو مخالفة القوانين، بل طال أيضاً الحجر لتغيير معالم المدينة بشتى الطرق، وفرض واقع مختلف على الأرض، هذا التهويد طال حتى أسماء الشوارع، والأحياء، ووصل إلى تغيير عناوين سكن المقدسيين على فواتير الماء والكهرباء، لترسل لهم بالأسماء العبرية، ما أثار حفيظة أهل المدينة وقلقهم على الأجيال القادمة، ودعاهم إلى التحرك بسرعة، ولا سيما أنهم رأوا في الإجراءات الإسرائيلية حرباً على الذاكرة لمحو كل ما له علاقة بتاريخ المدينة العربي.
التحرّك بدأ بحملة لتغيير أسماء الشوارع. هي حملة حرب الشوارع، وسميت «على خطى عمر» وأطلقتها مؤسسة «آفاق القدس» من وسط المدينة المحتلة، لتعلن الحرب على عمليات التهويد المستمرة، وعملية تزوير التاريخ، بحسب ما يقول لـ«الأخبار» عضو المؤسسة فخري أبو دياب، الذي شارك في الحملة التي اطلقت من حي الفاروق بجبل المكبر، أحد الأحياء العربية الفلسطينية في مدينة القدس.
«لاحظنا تعمّد سلطات الاحتلال الإسرائيلي في المدينة المقدسة، تسمية الشوارع بأسماء عبرية، يهودية، مستوحاة من التوارة في كل أحياء القدس»، يقول أبو دياب، ويضيف «أصبح كل ما يخصّنا يرسل لنا بالبريد بأسماء عبرية، حتى للأحياء السكنية المعروفة فلسطينياً وعربياً منذ القدم». فعلى سبيل المثال، يقول أبو دياب، المنطقة التي وقف عليها عمر بن الخطاب سميت «بنغورويون»، واختيار هذا الاسم لم يكن صدفة، واسم الشارع تاريخياً هو «شارع الفاروق»، أما الشارع المؤدي إلى حي الشيخ جراح والمعروف بشارع «إسماعيل الحجازي» فيسمونه شارع «شمعون الصديق»، نسبة لأحد أوليائهم، بحجة أن له قبراً هناك.
شارع وادي حلوة في سلوان يسميه الإسرائيليون «مدينة داوود»، أما الشارع المار من باب المغاربة، الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المسجد الأقصى باتجاه سلوان فيسمونه «يحسقياهو»، وشارع رأس العمود التاريخي يسمى لديهم «معاليه هزاتين»، فيما أحد أشهر الشوارع في حي البستان، الذي يسمى شارع البستان نسبة إلى الحي، يطلقون عليه «جانا هميلخ» بمعنى «حديقة الملك».
ويشرح أبو دياب «استمعنا إلى تذمّر وانتقادات لهذه الأعمال من الناس، ومن الكثير من المؤسسات الأهلية في المدينة، لكن من دون رد فعل على الأرض، فقررنا التحرك وتنفيذ هذه الحملة». ويتابع «يجب علينا أن نستعيد عروبة القدس ولو عن طريق أسماء الشوارع، رغم علمنا بأن إسرائيل لن تمررها لنا مرور الكرام».
ويتحدث أبو دياب عن اختيار أسماء الشوارع، وكيف لم يكن الاختيار عشوائياً، بل بالعودة إلى الكتب التاريخية، ووضع الأسماء مع شرح بسيط عن سبب التسمية، ولماذا أطلق مثل هذا الاسم على هذا الشارع أو ذاك، كذلك استشير أهالي كل حي أريد أن يوضع اسم الشارع عليه، لأننا وددنا إشراك الجميع، لا أن تكون الحملة مقتصرة على مجموعة أو أفراد.
جنود الاحتلال واستخباراته كانوا موجودين، وكالعادة، كانوا يصوّرون كل من يشارك في الحملة، حتى أنهم أزالوا وصادروا بعض اللافتات فوراً بعد الانتهاء من تعليقها، ما دعا أهالي الحي الذي أزيلت منه اللافتة إلى كتابة اسم الشارع مرة أخرى على ورق الكرتون وتعليقه مجدداً للتعريف باسم الشارع، وعدم السماح لمن يحتلّ المدينة بمواصلة تزوير تاريخها العربي الفلسطيني.
الحملة ستتواصل في أحياء أخرى في المدينة المقدسة مثل سلوان، والبلدة القديمة في القدس، وبيت حنينا وغيرها من الأحياء، كذلك هناك حملة أخرى طور التجهيز لترميم بعض البيوت والمساجد التي استولى عليها مستوطنون يهود. ويقول أبو دياب «نسعى إلى استردادها لأنها حق لنا». ويؤكد أنه «للأسف، ليس هناك تقصير رسمي فلسطيني فقط، بل تغييب وإهمال متعمد، أقولها صراحة لأن ما يهمني هو القدس وحدها ولا شيء غير ذلك». ويشير إلى أنهم بعثوا رسائل لكل المستويات الرسمية الفلسطينية من دون استجابة. ويرى أن «القدس بحاجة إلى استراتيجية خاصة بها، وهي غير موجودة، هناك حالة خذلان من جميع المستويات العربية، التي نراها هي الأخرى مقصّرة تجاه هذه المدينة المقدّسة، إسلامياً ومسيحياً، وتاريخياً، وسياسياً من الدرجة الأولى».
لا يكاد يمر يوم من دون أن تحاول إسرائيل تغيير معالم القدس العربية، وفرض واقع جديد على الأرض، ولا يمر يوم من دون أن يحاول أهل القدس محاربة هذه الإجراءات الإسرائيلية بشتى الطرق، رغم صعوبات الحياة اليومية في المدينة المقدسة، لكثرة ما تفرضه إسرائيل على أهل المدينة بهدف ترحيلهم منها، لتقليل عدد سكانها من الفلسطينيين قدر الإمكان.



خطط هدم قائمة

هدم منازل الفلسطينيين يدخل أيضاً في إطار مخططات تهويد القدس المحتلة. 22 بيتاً في حي سلوان باتت مهدّدةً بالهدم بحجة إقامة حديقة دينية. المشروع عاد إلى الظهور خلال اليومين الماضيين، بعدما أمرت محكمة القدس المحتلة بتجميد هدم المنازل. التجميد لا يعني الإلغاء، فقرار المحمكة ربط الهدم بنشر مجلس مدينة القدس المحتلة خططه لبناء الحديقة الدينية في سلوان، ونقل الفلسطينيين إلى منطقة أخرى، بعد مراجعة تلك الخطط. والمشروع، الذي أطلق عليه اسم «حدائق الملك»، يقضي بتدمير عشرات المنازل الفلسطينية، إلا أنّه عُدّل لاحقاً، وبات عدد المنازل الفلسطينية الواجب هدمها لتنفيذ المشروع نحو 22 منزلاً.
الخطط هي جزء من مشروع رئيس بلدية القدس المحتلة، نير بركان، الذي يهدف إلى إعادة تشكيل القدس الشرقية، ويشمل هدم العديد من المنازل في خطوة تثير التوتّرات في المدينة.