غزة | ليس منطقياً أن يقابَل اتفاق حماس وفتح «المنتظر» بعد خصومات طويلة بالفتور العجيب المشوب بتفاؤل ضئيل. أحدهم اختصر توقعاته بمثلٍ هادئ، «اللي بجرّب المجرّب، عقله مخرّب». حينما باركت إسرائيل المصالحة بإيقاف تحويل أموال السلطة الوطنية، صرخ رغيف الخبز الفلسطيني بعلو صوته: أوقفوا المصالحة، أحداث متسارعة، صحافيون هللوا فرحاً لأنّ الصفحات الإخبارية ستستغيث بهم لنقل الأحداث بعد أنّ ملّت الجهات الدولية من تغطية محاولات المصالحة، آخرون احتفلوا بوعود تسهيلات السفر عبر معبر رفح. السائق محمود سالم أدار مقود سيارته وقال: «تعوّدنا على حياة غزة، الآن إذا قصفت سيارة أمامي، فلن أتوقف وسأتابع عملي». يرفع صوت مذياعه ويقول: «بالنسبة إلي بطّلت تفرق، تصطلح فتح وحماس ولا تنحرق كل الدنيا، عندي بيت مفتوح ولازم أعيّش أولادي»، وكأنّ الفلسطينيين لم يعد يشغل بالهم إن اصطلح الحزبان أو بقيا على حالهما.في المقابل، قبل أسبوعين، أصيب 16 شاباً بجروح في اقتتال بين مشجعي فريق برشلونة ومشجعي ريال مدريد الإسبانيين. كذلك وثقت أوراق ملفات الصحة النفسية في غزة حالة أب قتل ولده بسبب شجار عائلي. حالة من التوتر والضغط جعلت الانفجار حاضراً لأتفه الأسباب، لتشهد غزة عراكات عديدة، عراك على طابور سيارات أو طابور بنك أو طابور خبز.
حتى عندما أراد الفلسطينيون تقليد الثورات العربية في تظاهرة 15 آذار، تقاتل الحزبان وخرجا بعَلم فلسطين ممزقاً بين أيديهما. أمّا السوق المتجول الذي يستغل كل التجمعات لأغراضه الشخصية، فهو كان البطل الأوحد، وحسب ما تناقلت وكالات الأنباء المحلية ضُبطت تأشيرات مزورة فيه للدول الأجنبية.
شخّص الاختصاصي النفسي د. سمير قوتة تحت إطار مسمى «الاغتراب»، وهو حالة تسيطر على الفرد سيطرة تامة تجعله غريباً وبعيداً عن بعض نواحي واقعه الاجتماعي، وتجعل رغبته جامحة في ترك وطنه.
في تحليل لهذه الحالة، أشار د. قوتة إلى نظرية الصدمة النفسية التي تقول إنّ الشعوب التي تتعرض للصدمات المباشرة تعيش اضطراب ما بعد الصدمة، مشيراً إلى أنّ فلسطين، وقطاع غزة تحديداً، ما زالا يعيشان حالة اضطراب مستمر تصيب الكتلة، لا الفرد فقط، واصفاً هذه الحالة بأنها نوع من الجنون الجماعي الذي جعل المجتمع الفلسطيني في حالة عدم وعي.
في المقابل، يرى قوتة أنّ حالة الاغتراب التي يعيشها المجتمع الغزّي بسبب الحصار يزيد الطين بلّة، وهي نتيجة طبيعية لكل الكوارث التي تنهال عليه، بالإضافة إلى تداعيات أججت حالة لامبالاة لا تكترث إن اصطلحت حماس وفتح أو عادتا إلى الاقتتال!