غزة | احتشد مئات الفلسطينيين أمس في ميدان الجندي المجهول المطلّ على مقر المجلس التشريعي في مدينة غزة، ملوّحين بالأعلام الفلسطينية ورايات «فتح» و«حماس» وفصائل أخرى. وللمرة الأولى منذ وقوع الانقسام، عقب سيطرة الحركة الإسلامية على القطاع بالقوة في منتصف حزيران عام 2007، رفع مناصرون لـ«فتح» رايات الحركة الصفراء في غزة من دون خوف، مرددين «والله والله والله... فتح رجعت والله». كذلك، ردد شبان ونساء وأطفال شاركوا في الاحتفالات هتافات تشيد باتفاق المصالحة، وتدعو إلى تثبيته وتطبيقه على الأرض، فيما رفع آخرون صندوقاً على شكل «تابوت» كتب عليه «تشييع الانقسام إلى مثواه الأخير». كذلك لوّح البعض بالعلمين الفلسطيني والمصري، وحملوا لافتات تشيد بمصر ودورها في إنجاز المصالحة، وأخرى تقول: «الشعب أسقط الانقسام».
وأطلق شبان ألعاباً نارية في الهواء، فيما برزت صور لقادة «فتح» و«حماس» على واجهات المحال التجارية في شارع عمر المختار وسط غزة. وشارك قياديون من الحركتين في الاحتفالات الشعبية ابتهاجاً بتوقيع اتفاق المصالحة.
وأفسحت الإذاعات المحلية المجال أمام الفلسطينيين للتعبير عن سعادتهم الغامرة بإنهاء الانقسام «المدمر». وكانت لافتةً عودة تلفزيون فلسطين الرسمي، المحسوب على «فتح»، للعمل في قطاع غزة للمرة الأولى منذ وقوع الانقسام، بعد تلقّيه إخطاراً من المكتب الإعلامي الحكومي التابع للحكومة المقالة التي تديرها «حماس» بالسماح له بالعمل في القطاع. وبث لقاءات مباشرة مع مسؤولين من «حماس» و«فتح» للحديث عن الأجواء المرحبة بالمصالحة.
من جهته، أمل المكتب الإعلامي الحكومي أن تبادر السلطة الفلسطينية بالسماح لفضائية «الأقصى» التابعة للحركة الإسلامية، وجميع وسائل الإعلام الممنوعة من العمل في الضفة الغربية، بالبثّ «استثماراً لأجواء التفاؤل بالوحدة في ظل توقيع اتفاق المصالحة».
وقال النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، القيادي في «حماس»، أحمد بحر، في كلمة أمام المحتفلين في ميدان الجندي المجهول: «هذا يوم تاريخي ننهي فيه الانقسام، ونبدأ فيه صفحة جديدة نحو مستقبل زاهر نحو فلسطين والقدس». وطالب الموقّعون على اتفاق المصالحة بالعمل بنص الاتفاق والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين بالضفة وغزة، والسرعة في تأليف حكومة الكفاءات الوطنية. ودعا «الأمم المتحدة والرباعية الدولية الى أن تقف مع أبناء شعبنا الفلسطيني وألا تنحاز للكيان الإسرائيلي».
بدوره، قال عضو المجلس الثوري لـ«فتح» محمد النحال، «نحتفل بالعرس الفلسطيني والحدث الأبرز وهو تجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية، التي طالت لأربع سنوات». وأضاف «تأخرت قضيتنا في المحافل الدولية بسبب الانقسام، ونقول: نجحت الفصائل الفلسطينية بالابتعاد عن المصالح الحزبية والاقتراب من مصلحة الشعب الفلسطيني».
في هذا الوقت، ندد ناشطون في الحملات الشبابية للمطالبة بإنهاء الانقسام بـ«التدخل الإسرائيلي السافر»، ووضع عقبات هدفها إفشال اتفاق المصالحة.
ويأمل الفلسطينيون أن يفضي اتفاق المصالحة إلى إنهاء حقيقي لمظاهر الانقسام، رغم المخاوف من التحديات التي سيواجهها على المدى القريب. وبدا أبو يوسف سعيداً للغاية وهو يلوّح برايتين لـ«فتح» و«حماس» ملتصقتين بالعلم الفلسطيني، معرباً عن تفاؤله بسرعة تطبيق اتفاق المصالحة على الأرض، وعودة الوحدة الوطنية. فيما قال الناشط في الحملات الشبابية، فادي الشيخ يوسف، إن الشعب الفلسطيني لن يتقبل أي إخفاق جديد في تطبيق بنود اتفاق المصالحة لأن شعاره الذي لن يتنازل عنه مطلقاً هو إسقاط الانقسام بلا رجعة. وأضاف «نتطلع للوصول إلى اتفاق مصالحة حقيقي في الضفة وغزة والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وألا تكون المصالحة فقط للإعلام، بل يلتزم كل طرف بواجباته».
لكن محمود، وهو موظف حكومي، توقع تعثر جهود المصالحة قريباً «لأن المحاصصة والمصالح الحزبية ستبرز عند بدء تنفيذ الاتفاق وتطبيقه على أرض الواقع»، مذكراً بسقوط اتفاق مكة في شباط عام 2007، وهو ما أفضى إلى الانقسام المدمر.
واتفقت سماح مع محمود، قائلة: «لا يجب أن نفرط بالتفاؤل»، مضيفة إن الحركتين أظهرتا خلال السنوات الماضية حرصاً على المصالح الحزبية أكثر من المصلحة الوطنية.
أما نادر، فقد فضل الانتظار قليلاً قبل الحكم على الاتفاق، للتأكد من حقيقة نيات الحركتين وجديتهما في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، فيما خالفت فاتن المتشائمين الرأي، وقالت: «شاهدنا اتفاقات سابقة فشلت في إنهاء الانقسام، لكن اليوم نشاهد مواقف مختلفة توحي بوجود نية صادقة، ويمكن أن تكون الثورات العربية قد سببت ذلك». وأعربت عن أملها أن تواصل مصر دورها المؤثر لمراقبة تطبيق الاتفاق على الأرض، وحل أي إشكالية قد تعترض اللجان المكلفة بالملفات المختلفة.
من جهته، يخشى خليل، وهو موظف حكومي لدى السلطة في رام الله، أن يكون ثمن المصالحة هو وقف الرواتب، وعودة الأزمة المالية التي عانت منها السلطة.