الخرطوم| في آخر معترك ديموقراطي يجمع شريكي نيفاشا، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، بدأ الطرفان أمس خوض انتخابات تكميلية في جنوب كردفان تستمر ليومين، على مستوى حكومة الولاية والمجالس التشريعية المحلية الولائية، تنفيذاً لبنود اتفاقية نيفاشا. وفيما تنافس الحركة الشعبية على منصب والي الولاية من خلال عبد العزيز الحلو، الذي كان يشغل منصب نائب الوالي، يخوض المؤتمر الوطني المعركة من خلال الوالي أحمد هارون، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، فيما تمسك اللواء المنشق عن الجيش الشعبي والمعتقل لدى الحركة الشعبية، تلفون كوكو، بترشحه. وتمسك الطرفان بحسم المعركة، كلٌ لمصلحته، بدا من خلال الحملات الانتخابية للمرشحين التي سبقت الاقتراع. وشارك الرئيس السوداني عمر البشير في الحملة من خلال زيارة المنطقة، متوعداً بالعودة إلى الحرب مرة أخرى إن لم ترتهن الحركة لصناديق الاقتراع. أما رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت فلم يغب عن دعم مرشح الحركة، وإن اضطر إلى إلغاء زيارته المقررة لجنوب كردفان بعدما راجت أنباء عن مخطط كان يعده أنصار كوكو لاغتياله.
وتكتسب المنطقة أهمية استراتيجية عظمى من خلال موقعها الجغرافي، حيث تحتل أطول حدود لدولة الجنوب مع الشمال، وتمثل الولاية حدوداً شمالية لأربع ولايات جنوبية، واراب، أعالي النيل، شمال بحر الغزال، والوحدة. كما أن المنطقة تحد ولايات شمالية هي: شمال كردفان، جنوب دارفور والنيل الأبيض، ما يفسر المخاوف من أن تتحول المنطقة إلى بؤرة جديدة للصراع بين الشريكين، وحينها وفقاً لما أكده الرئيس السوداني «لن تكون هناك اتفاقيات مرة أخرى».
ومن هذا المنطلق، لا يبدي الحزب الحاكم رغبة في التساهل مع أي وجود للحركة الشعبية في الشمال، بعدما انفصل الجنوب، خوفاً من أن تمثل المنطقة جنوباً جديداً يؤدي إلى زعزعة الحكومة المركزية في الخرطوم.
كذلك يخشى الحزب الحاكم من خسارة جنوب كردفان المتاخمة لولايات دارفور، وذلك خوفاً من أن تكون المنطقة نقطة عبور بين الجنوب والحركات الدارفورية المسلحة، التي يحتمي معظم قادتها الموجودين في الداخل الآن بجنوب السودان.
ويذهب مراقبون إلى أن سيطرة الحركة الشعبية على جنوب كردفان تمهد لإنشاء شريط زعزعة للخرطوم من حدود النيل الأزرق حتى كردفان ودارفور، لكن القيادي في الحركة الشعبية عمار أموم أكد لـ«الأخبار» أن الحركة في جنوب كردفان لن تدعم الحركات الدارفوية ولن تحميها، ورجح أن تساهم مع الحركة الأم ومع حكومة الخرطوم في حل قضية دارفور. وأضاف لن يكون هناك احتمال لتصعيد الحرب في دارفور، في وقت حذر فيه من أن فوز أحمد هارون مدعاة لعودة الحرب مرة أخرى. وأوضح أن «هارون لا تجمعه أي علاقات مع قادة الحركة الشعبية في دولة الجنوب، وفي حال حدوث أي خلاف بينهما ونتيجة للحدود المشتركة، فإن ذلك يعني العودة إلى الحرب من جديد».
وفيما يحظى «جنوب كردفان» بتركيبة ديموغرافية تشبه إلى حد بعيد تركبية السودان، حيث هناك عدد كبير من القبائل، يحتل أبناء النوبة الذين قاتلوا مع الحركة الشعبية طيلة سنوات النضال المسلح المرتبة الأولى من حيث العدد، فيما تمثل قبيلة المسيرية الرعوية التي يتركز وجودها في منطقة أبيي، الضلع الثاني لقبائل المنطقة.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن القبيلة ستعطي أصواتها الانتخابية لمرشح المؤتمر الوطني الذي سيوفر لها حرية التحرك في المنطقة طلباً للمراعي. لكن مصادر داخل الحركة الشعبية أكدت لـ«الأخبار» أن من مصلحة المسيرية فوز مرشح الحركة، باعتبار أنه سيتمكن بحكم علاقاته الوثيقة مع قادة الحركة الشعبية في دولة الجنوب من ضمان حرية التنقل جنوباً حتى بحر العرب. وأشارت المصادر إلى أن الحركة لن تخاطب مشاعر المسيرية، بل من الحكمة والعقل ومن مصلحة القبيلة ترجيح كفة الحركة في الانتخابات.