تراجعت أمس حدة السجال السياسي بين السلطة اليمنية ومعارضيها، في وقت لم تجد فيه دول مجلس التعاون الخليجي أمامها من خيار سوى التمسك المؤقت بمبادرتها لإنهاء الأزمة اليمنية رغم تزايد احتمالات فشلها، بعدما تهرب الرئيس علي عبد الله صالح من توقيع اتفاق نقل السلطة قبيل ساعات من الموعد المحدد له. وقررت دول مجلس التعاون الخليجي في ختام اجتماع عقدته أول من أمس في الرياض لبحث الأزمة اليمنية، إعادة إرسال الأمين العام لمجلس التعاون عبد اللطيف الزياني إلى صنعاء لمحاولة إزالة ما وصفته بـ «المعوقات التي لا تزال تعترض التوصل إلى اتفاق نهائي»، رغم إدراكها أن المشكلة تقتصر على رفض الرئيس اليمني التسليم بضرورة تنحيه. وكان الزياني قد زار قبل ثلاثة أيام صنعاء لدعوة ممثلي السلطة والمعارضة الى حفل توقيع الاتفاق الذي كان يفترض أن يجري أول من أمس في الرياض، ليفاجأ بصالح يخبره برفضه مغادرة اليمن، وبأنه سيكلف مستشاره السياسي، عبد الكريم الإرياني، التوجه إلى الرياض للتوقيع.
وبعدما عرض الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي أن يوقع صالح بنفسه الاتفاق في صنعاء، على أن تجرى المراسم الاحتفالية في الرياض، فوجىء الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي برفض صالح توقيع الاتفاق بصفته رئيساً للجمهورية، وإصراره على التوقيع بصفته رئيساً لحزب المؤتمر الشعبي العام.
وهو ما سارعت المعارضة اليمنية إلى رفضه، ما اضطر الزياني إلى العودة إلى الرياض خالي الوفاض، لتتضاعف الشكوك بشأن إمكان نجاح المبادرة الخليجية التي تتضمن انتقالاً سلمياً للسلطة، يعين بموجبه صالح رئيساً للوزراء من المعارضة يرأس حكومة انتقالية تحدد موعداً لإجراء انتخابات الرئاسة خلال 60 يوماً من استقالة صالح، مع منحه هو وأسرته ومساعديه الحصانة من الملاحقة القضائية.
وفيما حاول الحزب الحاكم التنصل من إفشال الاتفاق، بادر الرئيس اليمني إلى الاتصال بالملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، مجدداً ترحيبه بالمبادرة الخليجية، ومؤكداً ضرورة تنفيذها كمنظومة متكاملة غير قابلة للتجزئة والانتقائية.
من جهتها، دعت المعارضة دول مجلس التعاون الخليجي إلى «رفع الغطاء» عن صالح، بعدما اتهمته بمحاولة جر البلاد الى العنف، مهددة باللجوء إلى خيار التصعيد.
ووسط تعثر الحل السياسي، لجأت السلطات إلى التصعيد ضد المحتجين اليمنيين الذين أبدوا ارتياحهم لتعطل المبادرة، رغبةً منهم في إجبار صالح على التنحي ومحاكمته.
وأدى إطلاق القوات الأمنية النار أمس عشوائياً لتفريق المتظاهرين في منطقة خور مكسر في عدن إلى مقتل محتج يمني، فيما عاد الهدوء إلى مديرية المنصورة، بعد اشتباكات دامية خلال الأيام الماضية أدّت إلى مقتل عسكريين وأربعة مدنيين.
في غضون ذلك، كشفت صحيفة «الأولى» اليمنية عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن الأطراف الخليجية ساورتها الشكوك في استعداد الرئيس اليمني لتوقيع المبادرة حتى قبل إيفاد الزياني إلى صنعاء، بعدما تلقت معلومات عن استكمال النظام نشر قوات من الحرس الجمهوري والأمن المركزي في عدد من المناطق، ما منحه قدراً من الاطمئنان إلى قدرته على مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة ضده، ودفعه إلى تعطيل المبادرة.
كذلك كشفت مصادر معارضة للصحيفة، وفقاً لما نقله موقع «نيوز يمن» عن تراجع الأميركيين والأوروبيين عن تعهد قطعوه لقادة أحزاب اللقاء المشترك بتوقيع مذكرة ضمانات للمعارضة بتنفيذ الرئيس اليمني، كامل بنود المبادرة الخليجية قبل أن يتراجعوا ويبلغوا أحزاب المعارضة، أنهم سيصدرون بدلاً عن ذلك بياناً بمضمون تلك المذكرة.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)