أصدر الرئيس السوري، بشار الأسد، أمس، مراسيم تقضي برفع حال الطوارئ المعمول بها في البلاد منذ 1963 وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا وتنظيم حق التظاهر السلمي. وقالت وكالة الأنباء السورية (سانا) إن الأسد «أصدر المرسوم الرقم 161 القاضي بإنهاء العمل بحال الطوارئ».
كذلك أعلنت الوكالة أن الأسد «أصدر المرسوم التشريعي الرقم 53 القاضي بإلغاء محكمة أمن الدولة العليا». وأشارت «سانا» إلى أن الأسد أصدر مرسوماً تشريعياً يقضي بأن تختص الضابطة العدلية أو المفوضون بمهماتها باستقصاء الجرائم والاستماع إلى المشتبه فيهم.
وتأتي المراسيم في إطار رزمة الإصلاحات التي أعلنها الرئيس السوري، وأعدّتها الحكومة قبل أيام، في محاولة للاحتجاجات في الأراضي السورية.
وفي تعليق على قرارات الأسد، قال الناشط الحقوقي السوري، هيثم المالح، إن إنهاء العمل بحال الطوارئ «غير كاف» ولا يلبي إلا جزءاً يسيراً من مطالب الشارع السوري، مطالباً بحزمة إضافية من الإجراءات.
وقال المالح لوكالة «فرانس برس» «يجب رفع حزمة من الإصلاحات لجعل الحياة الى حد ما مقبولة». وطالب بكف أيدي الأجهزة الأمنية عبر «إلغاء العمل بالمرسوم 14 لعام 1969 الذي يحصّن العناصر الأمنية من المثول أمام القضاء»، لافتاً الى «التعذيب الذي يجري في الفروع الأمنية والسجون ويبقى بلا عقاب أو محاسبة». كما طالب «بإلغاء العمل بالمادة الثامنة من الدستور»، التي تنص على أن «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة»، ورفع رقابة الحزب على النقابات والمنظمات الشعبية. وطالب بإلغاء القانون الرقم 49 القاضي بإنزال عقوبة الإعدام بالأشخاص الذين ينتمون الى جماعة الإخوان المسلمين.
ورحب رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في تصريح لوكالة «فرانس برس» «برفع حال الطوارئ وإلغاء العمل بمحكمة أمن الدولة السيئة السمعة والصيت»، معتبراً أنها «خطوة إيجابية». إلا أنه قال «سنراقب في الأيام المقبلة عمل الأجهزة الأمنية إذا كانت ستنتهك القوانين النافذة في سوريا»، داعياً الى «الإفراج عن مئات المعتقلين الذين أصدرت بحقهم المحكمة أحكاماً جائرة والسماح للمنفيين بالعودة الى البلاد دون خوف من الاعتقال».
وكان الأسد قد أصدر أمس مرسوماً بتعيين غسان مصطفى عبد العال محافظاً جديداً لمدينة حمص، خلفاً للمحافظ أياد غزال الذي أقيل من مهماته في السابع من نيسان تلبية لأحد مطالب المحتجّين في المحافظة.
وقال نجاتي طيارة، الناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في حمص، إن تعيين اللواء غسان عبد العال، وهو ضابط مرموق بالجيش، عمره (71 عاماً) لا تشوبه شبهة الفساد ويشتهر بالهدوء والعقلانية، هو خطوة حكيمة.
وذكرت «رويترز» أن قوات أمن سورية انتشرت في مدينة حمص تحسّباً لتظاهرات بعد صلاة الجمعة اليوم. وأضافت إن «السكان الذين يتوقعون مزيداً من الهجمات من الشبّيحة، عمدوا الى تكوين مجموعات غير مسلّحة لحراسة أحيائهم». وأضافت إن «الجو متوتر. هناك خطط ليوم آخر من الإضرابات غداً» الجمعة.
وذكرت وكالة «سانا»، أمس، أن «مجموعة من العناصر المخربة أقدمت على مهاجمة مسجد خالد بن الوليد في حمص، وكسرت الباب الرئيسي للجامع في محاولة للاستيلاء على الإذاعة بهدف بث الفتنة والتحريض».
ونقلت الوكالة عن حارس الجامع قوله إن خمسة أشخاص يحملون أسلحة بيضاء عمدوا الى خلع شباك الموضئ من أجل الوصول إلى الإذاعة، مؤكداً أنه تعرض للضرب من أفراد المجموعة بعدما رفض تسليمهم مفاتيح الإذاعة.
وفي الحسكة (شمال شرق سوريا)، ذكرت وكالة «فرانس برس» أن «نحو 150 شخصاً اعتصموا أمام كلية التربية في مدينة الحسكة تضامناً مع محافظات درعا (جنوب) وبانياس (غرب) وحمص (وسط) ورددوا شعارات تضامنية تدعو الى الوحدة الوطنية». وأشارت الى «عدم تدخل القوى الأمنية لتفريق المعتصمين». وتابعت إن «مجموعة من الشبان تجمعوا أمام كلية الآداب (في الحسكة) وهتفوا بشعارات للتضامن مع بقية المحافظات وتدعو الى الحرية والوحدة الوطنية».
يأتي ذلك في وقت جدد فيه ناشطون عبر مواقع الإنترنت دعوتهم السوريين بمختلف طوائفهم الى التظاهر اليوم في ما سمّوه يوم «الجمعة العظيمة»، غير عابئين بدعوة السلطات الى الامتناع عن ذلك.
وأوضح المنظمون على صفحتهم أن «هذه الجمعة سمّيت الجمعة العظيمة، وذلك بناءً على طلب الشباب في سوريا وفاءً لأهلنا مسيحيي درعا وحمص والبيضا وكل سوريا البواسل الذين سقط منهم العشرات من الجرحى مع المسلمين في تظاهرات الحرية والكرامة».
من جهة ثانية، اتهمت منظمات سورية تعنى بحقوق الإنسان السلطات السورية باستعمال «القوة المفرطة والعنف» لتفريق عدد من التجمعات السلمية لمواطنين سوريين عزل، ما أدى الى وقوع ضحايا أول من أمس في الزبداني وجامعة حلب وسراقب.
كذلك اتهمت هذه المنظمات، في بيان تلقّت «يو بي آي» نسخة منه، السلطات السورية بتنفيذ «اعتقالات تعسفية» شملت 17 شخصاً، بينهم صحافيون، «رغم الإعلان عن مشروع قرار إلغاء حالة الطوارئ». لكنها قالت إن السلطات أفرجت عن عشرات الأشخاص، بينهم صحافيون. وأشارت المنظمات الى أن السلطات السورية أبقت قيد الاعتقال الصحافي الجزائري خالد سيد مهند والصحافي النروجي من أصل سوري محمد زيد مستو والمدوّن كمال حسين شيخو والصحافي أكرم أبو صافي والصحافي صبحي نعيم العسل.
وحثّت المنظمات السلطات السورية على «إغلاق ملف الاعتقال السياسي وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي والضمير، وجميع من اعتقلوا بسبب مشاركتهم بالتجمعات السلمية في مختلف المدن السورية».
كذلك طالبت السلطات السورية باتخاذ «خطوات عاجلة وفعالة لضمان الحريات الأساسية لحقوق الإنسان والكفّ عن المعالجة الأمنية التي تعدّ جزءاً من المشكلة وليست حلاً لها، والإقرار بالأزمة السياسية في سوريا ومعالجتها بالأساليب السياسية، بمشاركة السوريين على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم، عبر دعوة عاجلة إلى الحوار الوطني الشامل».
والمنظمات الموقّعة على البيان هي: «المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا» و«منظمة حقوق الإنسان في سوريا – ماف» و«اللجنة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا – الراصد»، «المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سوريا»، «المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا (DAD)» و«لجان الدفاع عن الحريات الديموقراطية وحقوق الإنسان في سوريا».



«حمّام دم إذا أُطيح النظام»


حذّر خبراء إسرائيليون في الشؤون السورية من حدوث حمام دم في سوريا في حال إطاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد؛ إذ إن ذلك سيدفع بالمذاهب الدينية المتعدّدة إلى انقلاب بعضها على بعض والتقاتل في ما بينها.
ونقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية في عددها الصادر، أمس، عن الخبراء الإسرائيليين قولهم إنه «على الرغم من أن احتمالات إطاحة نظام الأسد ليست كبيرة بعد، لكن في حال إطاحته سيقع حمام دم بين مختلف المذاهب في سوريا».
وقارنوا ما يمكن أن يجري في سوريا في حال تطوّر الأمور إلى إسقاط النظام بما جرى في بلاد الرافدين. وقالوا إنه «تماماً كما حصل في العراق المجاور، فإن أطياف الشعب السوري المتنوع والمؤلف من مسلمين سُنة ودروز وأكراد ومجموعات أخرى تحكمهم أقلية علويّة، قد ينقلب بعضها على بعض، ما إن يُطاح نظام الأسد وتتحول الأمور إلى نزاع مدني دموي». وأوضح أستاذ التاريخ الشرق الأوسطي والأفريقي في جامعة تل أبيب، إيال زيسر بقوله: «أظن أن حمام دم سيحصل في حال سقوط الأسد». وأضاف: «لم نبلغ تلك المرحلة بعد، لكن الاحتجاجات تزداد وقوى أكثر تنضم إليها، وهي تنتشر إلى أجزاء أخرى من البلد. في الوقت عينه، نصف الشعب السوري المتمركز في دمشق وحلب، لا يشارك في الاحتجاجات المطالبة للأسد بالرحيل، وهم خائفون من المجهول ومن الفوضى التي قد تتبع».
(يو بي آي)