نيويورك | يجمع المراقبون على أن الزعيم الليبي معمر القذافي لن يتخلى عن السلطة إلا إذا فقد أمرين: الأول هو المال والثاني الرجال. ولا يبدو أن ذلك قريب نظراً إلى أن شراء الرجال مرتبط بالكنز الذهبي الكبير الذي يحتفظ به القذافي، والذي يصل إلى أكثر من 144 طناً على شكل سبائك في البنك المركزي الليبي، حسب حسابات صندوق النقد الدولي. هذا الكمّ الهائل تضاف إليه حاويات من النقد الأجنبي، يؤكد دبلوماسيون ليبيون في نيويورك أنه يخبّئها في أماكن مجهولة في ليبيا. وتأتي ليبيا، حسب الصندوق، في الترتيب الخامس والعشرين بين أغنى الدول من حيث مخزونها من الذهب الأصفر، لا الأسود فقط. كنز يجعل ثروة القذافي، بالأسعار الحالية للذهب، نحو سبعة مليارات دولار، تكفي لتجهيز جيش من المرتزقة وتمويله لسنة أو أكثر.
وليبيا تختلف عن الكثير من الدول الغنية بالاحتياطي الذهبي الذي تخزنه في دهاليز البنوك المركزية في لندن وزيوريخ أو نيويورك. فهي تحتفظ بذخائرها من السبائك في بنك ليبيا المركزي في طرابلس أو في أماكن سرية تحت الأرض لا يعرفها إلا القذافي وأقرب المقرّبين منه. وإذا كان موسى كوسى، وزير خارجيته المنشق، من بينهم، فإن القذافي سيلجأ إلى تبديل مكانها كي لا تسقط في أيدي قوات أجنبية كما حلّ بكنوز العراق.
صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية نقلت عن مصادر في أسواق المعادن النفيسة تأكيدها أن القذافي كان نشطاً في تجارة الذهب الذي يأتي في معظمه من أفريقيا. وأشارت إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا جمّدا الكثير من موجودات ليبيا المالية بموجب إجراءات المقاطعة التي نصّ عليها قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1970، غير أن ذلك لم يشمل بالطبع ما يقع تحت يد القذافي من سبائك ونقد أجنبي موجودة فعلياً داخل ليبيا. وقدّرت الأموال المجمدة في الخارج بنحو تسعين مليار دولار.
ورغم الحصار الاقتصادي والحظر الجوي، ليس من الصعب على العقيد الليبي نقل ذهبه إلى دول مجاورة، مثل الجزائر أو تشاد، عبر مدن صحراوية مثل سبها أو غات، أو حتى بحراً إلى مالطا بواسطة سفن وزوارق سريعة تستطيع الوصول خلال ساعات. ولا يمكن أحداً تعقّب حركة كهذه نظراً إلى اتساع جغرافية ليبيا.
المسافات تقاس فيها بآلاف الكيلومترات، بما في ذلك الساحل الليبي الممتد من تونس إلى مصر على مسافة ألفي كيلومتر. فلا القذافي يستطيع، ولا حلف الأطلسي، محاصرة ساحل بهذا الطول ومراقبة كل حركة فيه على مدار الساعة. أما الطرق الصحراوية، فهي أطول وأعقد من أن يستطيع أحد مراقبتها. وكان القذافي قد أتقن طيلة فترة الحصار الماضية فن بيع النفط نقداً بالعملة الصعبة، واستخدم تلك الأموال في شراء صداقات وتحالفات أفريقية ودولية حصّنته من آلام المقاطعة.
ومع بلوغ أونصة الذهب مستوى تاريخي يتجاوز 1500 دولار أمس، يصبح بريق ذهب القذافي أكثر جاذبية لجهات كثيرة. صحيح أن المصارف المركزية والبنوك الرسمية لا تجرؤ على شراء الذهب الليبي علناً، إلا أن القذافي يستطيع مبادلته في السوق السوداء بالسلاح والمرتزقة أو بالسلع، من دون جهد.