عدن | العصيان في عدن ليس وليد اللحظة. هو امتداد لتراث تاريخي عرفته المدينة أيام مقاومتها للاحتلال البريطاني. لا يزال في عدن من عايش تلك المرحلة، وينقل خبراتها إلى الجيل الشاب الذي يقاوم علي عبد الله صالح.يتذكر أحمد فؤاد (73 سنة) بشغف فعاليات العصيان المدني التي كانوا يقومون بها أيام الاحتلال البريطاني للجنوب اليمني، وكان وقتها لا يزال طالباً في كلية التربية في مدينة عدن. ويقول أحمد «كان العصيان المدني إحدى الوسائل الفاعلة التي استخدمناها في مواجهة الاحتلال البريطاني، لكنّ الشباب اليوم يستخدمونه لمقاومة احتلال قبيلة الأحمر لليمن».
أحمد يداوم يومياً على الجلوس في ساحة الاعتصام في مديرية «المعلّا»، بالقرب من المكان الذي سقط فيه الشاب هائل وليد (16سنة) في 16 شباط الماضي، حيث قرر شباب الثورة إطلاق اسمه على الشارع، ويؤكّد القرار بالقول «وقد تمّ الأمر فعلاً، وصارت اللوحة منتصبة في وسط الشارع».
لم يكن أحمد موجوداً في ذلك اليوم الدامي بسبب انشغاله بسفر طارئ إلى العاصمة صنعاء لإنجاز بعض المعاملات الإدارية الخاصة بحفيدته، لكنه سمع منها عندما عاد إلى عدن قصصاً رهيبة عن الطريقة التي تصرّفت بها قوات الأمن المركزي التابعة لنجل شقيق رئيس الجمهورية، يحيي محمد عبد الله صالح، وقوات الحرس الجمهوري التابعة لنجل الرئيس أحمد علي عبد الله صالح. ويقول «لقد فتحوا النار بنحو مفاجئ وغير متوقع على الشباب الذين كانوا عائدين من تشييع زملائهم الذين سقطوا في وقت سابق.
ويضيف أحمد الذي يحمل الجنسية البريطانية، منذ تلك الفترة التي كان فيها أمر الحصول على هذه الجنسية سهلاً، «لقد تصرفوا مع الشباب بعدوانية وبسلوك يفوق ما كانت تفعله قوات الاحتلال البريطاني ضدنا». ويؤكد أنه حتى هذه القوات لم تكن تتعامل مع المحتجين في أيام الاحتلال بهذه الطريقة الهمجية الصارخة: «كيف يمكننا تفسير هذا السلوك الذي تنتهجه هذه القوات، لو لم تكن قد تلقّت أوامر مباشرة باستخدام الرصاص الحي ضد محتجّين مسالمين اختاروا نهج النضال السلمي لتحقيق الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها؟».
ويسير شباب الثورة في مدينة عدن (جنوب اليمن)، اليوم السبت، في تنفيذ عصيانهم المدني الثالث الذي قرروا أن يكون يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع، على أن يجري تدارس إمكان تصعيده في الأيام المقبلة.
أحمد راض عن العصيان: «لقد نجحوا بنسبة عالية في تحقيق غايات العصيان المدني، وظهر تجاوب المواطنين معهم عالياً، إلى درجة لم يكن أكثر المتفائلين يقول إنها ستتحقق». لكن لديه بعض الملاحظات التي ينبغي على شباب الثورة الانتباه إليها لكسب مزيد من المواطنين إلى صفّهم، وخصوصاً أولئك الذين لا يزالون يرون أن مسألة الوقوف ضد الرئيس علي عبد الله صالح ومحاولة إسقاط نظامه هما محاولة عبثية، وذلك «لأنهم يعتقدون أن الرئيس صالح، عكس الرئيسين الساقطين، يبدي عدم اكتراث بحركة الشارع وما يجري داخله».
ويرى أحمد أن على شباب الثورة أن يبتعدوا عن عمليات قطع الطرقات بالأحجار والحواجز التي يضعونها، وفيها تعطيل لأشغال المواطنين وإعاقتهم عن الوصول إلى الأماكن التي يقصدونها». ويؤكد أن الابتعاد عن قطع الطرقات من شأنه عدم إعطاء قوات الأمن مبرراً لاستخدام العنف وإطلاق الرصاص الحيّ تجاه الشباب، «وهو ما يبحثون عنه».
وعن تأخّر ثورة الشباب اليمنية في تحقيق هدف إسقاط الرئيس علي عبد الله صالح بدخولها الشهر الثالث، عكس ثورتَي الشباب في تونس ومصر، يقول أحمد إن هناك فوارق جوهرية وسمات لكل ثورة على حدة، ولا يمكن النظر إليها جميعاً بمنظار واحد؛ فالشباب اليمني الذي يواجه رئيساً كالرئيس صالح يتمتع بقدرة كبيرة على المناورة بطريقة تفصح عن سلوك تسيطر عليه سمة اللامبالاة. عليهم أن يتوقعوا منه ألّا يكترث لعدد القتلى الذين يسقطون يومياً. ويتابع «أن قواته وبلطجيّته يقتلون الشباب ليلاً ليصحو هو صباحاً ويعلن، بكل وقاحة، أنه قرّر تسميتهم شهداء الديموقراطية».
كذلك للرئيس علي عبد الله صالح شبكة واسعة من المعاونين، وغالبيتهم، إن لم يكن جميعهم، من أقربائه الذين امتلكوا ثروات هائلة بسبب النفوذ الذي مكّنهم من تحقيق مكاسب في فترات قياسية لم يكونوا يحلمون بتحقيقها، من الفراغ، ومن دون امتلاكهم أيّ قدرات أو مؤهلات تمكّنهم من البروز أو التميّز. «هؤلاء لا يمكنهم أن يتنازلوا بسهولة عن المكاسب التي تحققت لهم، وفي الوقت نفسه لا يمكنهم أن يتركوا الرئيس صالح يتنازل عن الحكم بهذه السهولة التي يمكن أن نتخيّلها».
لكن مع ذلك، يرى فؤاد ضرورة أن يصمد الشباب من أجل تحقيق أهداف ثورتهم، وألا يستسلموا لأي إحباط، «كل شيء ممكن مع الوقت». ومع هذا، لا يتردّد في التذكير بأمر في غاية الأهمية قد تحقق بفضل هذه الثورة، وهو الوحدة الوطنية التي نشأت في نفوس هؤلاء الشباب بطريقة لم يكن أحد يتوقعها، «بعدما نجح نظام الرئيس صالح في تدمير النسيج الاجتماعي الوطني وتمزيقه بتصرفاته اللاوطنية التي كانت تتعمّد التفرقة والتمييز بين المواطنين، ومعاملتهم بطريقة فرز تعتمد على الفئوية والجهوية».
ويشدد هنا على وقائع وتفاصيل تتكرر مع كل اعتداء جديد من قوات الرئيس صالح على الشباب المعتصمين في صنعاء أو في عدن، وفي مختلف المدن اليمنية. «عندما وقعت جريمة الجمعة الدامي في ساحة التغيير في صنعاء، والتي راح ضحيتها نحو 52 شاباً قضوا برصاص قناصة، فتحت المساجد في مدينة عدن مكبرات الصوت فيها لتطلق نداءات تضامن مع الشباب هناك، والأمر نفسه يتكرر في صنعاء وتعز عندما يحدث اعتداء جديد على إخوتهم في عدن أو إب». ويختتم أحمد فؤاد حديثه قائلاً: «إنهم يصنعون أياماً رائعة».