لا يشبهه في المواصفات غير طه محيي الدين معروف، نائب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فعبد ربه منصور هادي رجل انطوائي بحكم ما تقتضيه اللعبة التي وضع قواعدها علي عبد الله صالح، حين اختاره نائباً له سنة 1994. لقد بدا وكأنه شرّفه بهذا الموقع حين اصطفاه من بين عدد من الجنوبيين الذين ساندوه في حربه ضد الجنوب في ذلك العام. وكان صالح في حينه مضطراً للحفاظ على الشكليات التي يضفي من خلالها على الديكور العام مسحة الرئيس الوحدوي الديموقراطي.
في حينه كان صالح يحتاج إلى الجنوبيين ولا يحتاج في الوقت نفسه، أي على حد قول المتنبي «أن يرى عدوّاً له ما من صداقته بدّ». لم يكن مجبراً على أن يعيّن نائب رئيس بعدما تخلص من نائبه الشرعي والدستوري، شريكه في اتفاق الوحدة علي سالم البيض. ولكونه كسب جولة الحرب على الجنوبيين باسم «الوحدة المعمدة بالدم»، بات صالح طليق اليدين ليفصّل الدستور على مقاسه. لكن الشرخ الذي خلفته الحرب بين الشمال المنتصر والجنوب المهزوم، فرض على صالح بعض الخطوات التجميلية والديكور الذي يليق بالزعيم الوحدوي. وحين اختار عبد ربه، أذهل الأوساط السياسية ببراعته في لعب الأوراق، إذ مارس دور الحاوي حين جاء بشخص لم يكن يرى فيه أحد الأهلية لدور أكبر من الذي اختاره ذلك الرجل لنفسه، وهو العسكري المتخصص في شؤون التموين، والصائم عن العمل السياسي.
وعبد ربه منصور هادي ضابط من منطقة ابين، غير معروف عنه انه لمع في موقع عسكري أو سياسي، وميزته الوحيدة أنه خرج من الجنوب في سنة 1986، بعد أحداث 13 كانون الثاني، في عداد الجنوبيين الذين نزحوا بعد رجحان الكفة في النزاع الأهلي لغير صالح معسكر الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد. وحين استقر هذا الأخير في صنعاء، لم يكن بين رجالاته في الصف الأول منصور عبد ربه، وغطى عليه رجالات عرفوا في الصف الأول من المواجهة مثل محمد علي أحمد وأحمد مساعد حسين وعبد الله عليوة. وعندما قامت الوحدة سنة 1990، تخلى علي عبد الله صالح عن علي ناصر وطلب منه المغادرة الى دمشق، لكنه احتفظ بأنصاره واستمالهم الى صفه، واضعاً في حسابه أنه ستحين اللحظة التي يستخدمهم فيها. ولم يتأخر كثيراً في ذلك، حيث قدّم الى الواجهة احمد مساعد وعبد الله عليوة، فيما رفض محمد علي أحمد أن يتحول الى ورقة في يد صالح، فغادر الى الخارج.
وفي فترة المماحكات بين شريكي الوحدة ما بين 1990 و1994، لم يبرز من بين رجالات علي ناصر السابقين سوى أحمد مساعد وعبد الله عليوة، وبقي عبد ربه في عداد العسكريين المغمورين، لا هو تقدم الصفوف كاشفاً عن مواهب خاصة، ولا أحد ناداه للقيام بدور في اللعبة الشمالية الجنوبية. وحين شنّ صالح حربه على الجنوب في سنة 1994، كان بحاجة إلى الجنوبيين أولاً ليكونوا في طليعة جيشه، لكي يبرر للرأي العام أنه يخوض حرب الوحدة، وأن علي سالم البيض وباقي الجنوبيين الذين كانوا يواجهونه من عدن مجموعة انفصالية. لكن علي صالح لعب على وتر مسألة أخرى تتعلق بالثارات بين الجنوبيين أنفسهم، فاستخدم أنصار علي ناصر، الذين نزحوا من الجنوب في سنة 1986 ليصفّوا حساباتهم مع رفاق الأمس، وحين انتهت الحرب لمصلحته أراد أن يكافئ هؤلاء، وأن يملأ الفراغ السياسي الذي تركه علي سالم البيض وأنصاره، فعيّن عبد ربه منصور نائباً له من دون سند دستوري. وكان لهذا القرار وقع الصاعقة على الأوساط السياسية عامة، والجنوبية خاصة. فمن ناحية كان الرجل مغموراً وغير معروف في الوسط السياسي، ومن ناحية أخرى كانت المرحلة تقتضي اختيار شخصية سياسية قادرة على أداء دور يتماشى مع نتائج الحرب التي خلقت واقعاً جديداً، وذلك لجهة معالجة آثارها السياسية، وظهر ذلك لدى الجنوبيين أكثر من غيرهم، وكانت الغالبية تحس بأن الحرب اندلعت لإنهاء مشروع الشراكة الوحدوية، وضم الجنوب إلى الشمال. لذا كانوا بحاجة إلى تطمينات جدية، لا يمكن أن تأتي إلا من خلال المشاركة الجنوبية في السلطة. وعندما اختير عبد ربه منصور، الشخصية الضعيفة التي نُبشت من الظل، استنتجت الأوساط أن صالح وجّه بذلك رسالتين: الأولى أنه حاكم مطلق ولا يريد أن يشاركه أحد في السلطة. والثانية أن فكرة الشراكة بين الجنوب والشمال صارت مسألة شكلية ومن مقتضيات الديكور.
وتروي أوساط سياسية مطلعة أن عبد ربه منصور هو الآخر فوجئ لدى اختياره نائباً لصالح، وأنه استغرب أن توضع على ظهره هذه الحمولة الثقيلة التي لا طاقة له بها، وحاول أن يسحب نفسه من العملية ورشح أسماء جنوبية أخرى قريبة من صالح، لكن رأيه قوبل بالرفض، وأُفهم بأن قرار الرئيس لا يُردّ، وما عليه سوى القبول، ولذلك ارتضى المهمة على مضض. ومنذ ذلك الحين لم يظهر في الواجهة إلا حينما كان الرئيس يناديه ليطلب منه القيام بمهمة معينة، وغالباً ما كانت أدواره بروتوكولية عادية، فهو حتى لم يضع حجر أساس مدرسة، أو يدشّن طريقاً، أو يقم بزيارة مجاملة للخارج.. بقي بعيداً عن الأضواء يحمل صفة النائب سجين المهمة التي اختاره صالح لها.
ويقول مقرب من النائب إن حرَجه بلغ درجة قصوى في الأيام الأخيرة، حين فوجئ بالرئيس صالح يطرق باب منزله، ويطلب منه استضافة اجتماع بحضور السفير الأميركي، ورحّب الرجل بذلك، لكنه أصيب بالذهول حين عرض صالح أن يسلمه سلطاته في مخرج من الأزمة. ويؤكد المصدر أن الرجل تملّكه الرعب من هذا العرض وفهم أن قبوله يعني أنه دخل المنطقة الخطرة، فالرئيس معروف عنه أنه لم يتساهل حيال كل من نافسه في هذا الموقع، وحتى مع من ظنّ أنه يمكن أن يحلّ محلّه، ولهذا اعتذر عن قبول الدور، وعبّر عن رفضه خلافة صالح.
عبد ربه يعرف جيداً أن الرئيس ليس في وارد التخلي عن الحكم، وأنه استخدمه ورقةً فقط. لذا خشي على نفسه من الانخراط في لعبة لا يجيدها، وعليه فإنه يعيش ورطة كبيرة، ولا يعرف كيف يتصرف حيال مبادرة دول الخليج التي تنص على نقل صلاحيات الرئيس الى نائبه. ويقول المصدر إن الصورة الماثلة امام عبد ربه منصور هي صورة عمر سليمان، الذي اختاره الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك نائباً له، لكنه لقي المصير نفسه.