المنامة| التخبّط سيد الموقف في مملكة البحرين، وقرارات العقاب الجماعي ما عادت مسألة مخفيّة، وأجهزة الاستخبارات في الجيش والحرس الوطني والداخلية تُمسك بمفاصل البلاد من شمالها إلى جنوبها، فيما المنفذان (الجوّي عبر المطار والبرّي عبر جسر الملك فهد) أصبحا تحت رحمة الجيش بمساعدة الحرس الوطني. لكن هذه الأجهزة الأمنية، التي تسيطر على المملكة مع فرض الأحكام العرفية، تشهد في ما بينها صراعاً خفياً، يظهر في تركيبتها وإجراءاتها الأمنية لقمع الاحتجاجات وملاحقة المنتفضين. وهو صراع ليس بالجديد.
لقد أثبتت بعض هذه الأجهزة بعد فترة وجيزة أنّها لا تستطيع أن تجاري الجيش البحريني، ولا سيما بعدما أتى الجيش السعودي للوقوف إلى جانبه وتهميش الآخرين.
الجيش البحريني هو المكان الأبرز لنفوذ السلفيّة المتمثلة في «الأصالة»، التي تمتلك أيضاً نفوذاً هائلاً في جهاز الجمارك التابع لوزارة الداخلية، فيما الإخوان متنفّذون في جهاز الأمن الوطني، وهو ذاته الجهاز الذي كان يُعرف بجهاز أمن الدولة قبل إلغائه في 2001، لكن مع الكثير من التحسينات والتطويرات في هذا الجهاز الذي بدا متوغّلاً وذا أذرع كثيرة منتشرة في مؤسسات الدولة.
يجهد جهاز أمن الدولة، عبثاً، في التقرّب من الجيش السعودي، إذ إنّ السلفية المتنفذة في الجيش البحريني بدأت بتقديم الولاء والطاعة للجيش السعودي الحاكم من خلال العنصر الوهابي الذي أُدخل الى المعادلة.
ويلحظ صراع الأجهزة الأمنية المشاركة في عمليات الاعتقال الجارية لبعض الناشطين، حيث يمتلك كل جهاز أمني قائمة بالمطلوبين، وأماكن توقيف خاصّة تابعة لسلطة الجهاز، وتجري عمليات الاعتقال بالطريقة التالية: رجال استخبارات الجيش يلبسون الزيّ العسكري الخاص بوزارة الداخلية، يدهمون المنازل، يمتلكون عقيدة وهابية صرفة، يمزقون صور رجال الدين الشيعة المعلّقة في أغلب بيوت الطائفة الشيعية، يكسرون الترب الحسينية ويمزقون كتب الأدعية، يسرقون الأموال والذهب والهواتف النقالة، التي يعتبرونها غنيمة يحصلون عليها من المشركين (الروافض)، يكسرون الأثاث المنزلي، ويتعاملون مع الناس بأشد وأقسى صورة ممكنة.
رجال استخبارات وزارة الداخلية يلبسون الزيّ الرسمي المعروف، يقتحمون منازل المطلوبين عبر كسر الباب الرئيسي أو تسلّق الجدار أحياناً، تستفزهم صور الرموز الدينية الشيعية غير البحرينية، وأحياناً البحرينية، لا يسرقون الأموال، وتعاملها يعد أقل حدّة.
استخبارات جهاز الأمن الوطني، هؤلاء مدنيون يأتون في مركبات مدنية، يدقّون أجراس منازل المطلوبين، ولدى خروج صاحب المنزل يطلبون منه إخبار من في الداخل من النساء بلبس الزي الشرعي (الحجاب)، حيث إنهم سيفتشون المنزل بحثاً عن الشخص المطلوب، يدخلون إلى المنزل بأدب، يبحثون بهدوء ومن دون استفزاز، إذا رأوا الشخص اعتقلوه وإن لم يروه غادروا المنزل من دون ضجيج.
الشق الثاني من الملاحقة الأمنية يجري في العالم الافتراضي، حيث تُولد شعلة الثورات العربية.
وقد أدركت السلطات الأمنية البحرينية خطورة هذا العالم على أنظمتها الرجعية البيروقراطية، فعملت على تتبع هذا الخطر وملاحقته في عالمه عبر إدخال الجواسيس.
وتملك الأجهزة الأمنية في البحرين موظفين تقنيين لديهم الكثير من العضويات على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات، توكل إليهم مهمّة الرصد والبحث عن نشطاء الانترنت، فيما يلحظ أن هؤلاء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول، هو المختص بمتابعة حراك التدوين والمدوّنين المتاح للجميع، حيث لا يلحظ لهم أيّ نشاط يحدّد هوياتهم، إلا إذا كان المدوّن ضليعاً في التقنية، عندها فإن كثيرين كُشفوا من خلال خبراء انترنت معارضين.
القسم الثاني، هو المهتم بشبكة التواصل الاجتماعي، «فايسبوك»، إضافة الى المنتديات المعارضة، وهؤلاء يقومون بعمل عضويات بأسماء فتيات أو شبّان، يحملون أسماءً تحسب تقليدياً على الطائفة الشيعية، ويعبّرون بطريقة راديكالية عن آرائهم تجاه النظام لكسب ودّ وثقة الأعضاء في «الفايسبوك» أو المنتدى، ولقبول طلبات صداقتهم أيضاً، ما يسهّل عليهم ملاحقة الناشطين المناهضين للنظام، والحصول على معلوماتهم الشخصية.
القسم الثالث، وهو المهتم بشبكة التواصل الاجتماعي «تويتر». وهذه الفئة تعبّر بصريح العبارة عن انتماءاتها السياسية الداعمة للنظام وبطريقة راديكالية أيضاً، فيما تتبع النشاط الإلكتروني للمعارضين وتبعث برسائل تهديد علنيّة سرعان ما تترجم على شكل إجراءات قانونية تقوم فيها السطات باستدعاء، أو إلقاء القبض على الشخص الذي هُدّد سابقاً.
هكذا تستمر الحياة في البحرين في جوّ أشبه بالعتمة، لا يرى فيه الكثير من السياسيين أفقاً للحل، فيما بدت المعارضة أكثر وضوحاً في المستوى التي بلغته من التناحر في ما بينها، حيث انقسمت إلى ثلاثة أقسام، معتدلة تمثّلها «الوفاق» الإسلامية و«وعد» اليسارية، متطرّفة تمثلها حركات «الوفاء» و«حق» و«أمل»، ناعمة أو قريبة من السلطة يمثلها المنبر التقدمي والتجمّع القومي والإخاء، فيما بات الحديث عن جمعيات سبع هذه الأيام أقرب إلى المزحة منه إلى الكلام الجاد.