تاريخ البرقية: 21 كانون الثاني 2010 رقم الوثيقة: 10CAIRO119
الموضوع: تسمية مرشد عامّ جديد للإخوان المسلمين

في 16 كانون الثاني 2010، أصبح محمد بديع (66 عاماً) المرشد العام الثامن لجماعة الإخوان المسلمين. واختيار بديع، الشخصية المجهولة لكن العالِمة ببواطن الأمور التنظيمية للإخوان، يمثّل تحوُّلاً بين أجيال داخل الجماعة؛ فبديع هو أول مرشد عام لم يسبق له أن تعرّف إلى مؤسس «الإخوان» حسن البنّا. وقد جرى التداول باسم بديع أخيراً في الإعلام، بعدما راجت معلومات عن أنه نال العدد الأكبر من أصوات الأعضاء المئة في مجلس شورى جماعة الإخوان.
يتساءل بعض المحلّلين عن قدرة بديع على معالجة الانشقاقات الداخلية التي لا تزال موجودة نتيجة الصراعات العنيفة التي اندلعت حول مسار الانتخابات؛ فقد أشارت انتخابات مكتب الإرشاد، التي سبقت اختيار بديع، إلى تحوّل باتجاه المزيد من المنحى المحافِظ داخل الجماعة. وقد نُظر إلى هذا التحوُّل بنحو واسع على أنه دليل على أن الإخوان سيصبحون أقلّ فاعلية على المستوى السياسي.
تعليق: إنّ خروج النزاعات «الإخوانية» الداخلية إلى العلن، هو ظاهرة جديدة وغير صحّية بالنسبة إلى أجزاء من قيادة «الإخوان»، وخصوصاً بالنسبة إلى «التقليديين»، وهو ما سيُترجَم على الأرجح في مسار طويل من إعادة النظر الداخلية. في ظل قيادة بديع، قد نرى اتجاهاً نحو المزيد من السرية والسيطرة الداخلية في الجماعة. ومن المواضيع التي باتت قيد التساؤل، إعادة إحياء الصورة العامة لجماعة الإخوان، وهم الذين غالباً ما يُنظَر إليهم على أنهم القوّة المعارِضة القادرة على تخطّي موازين القوى الداخلية. إضافة إلى ذلك، قد تعيد القيادة الجديدة تموضُع دور الإخوان على الساحة السياسية المصرية، محيّدةً الجماعة عن الواجهة العامة بوصفها منافساً محتملاً للحزب الوطني الحاكم في الانتخابات الوطنية. في جميع الأحوال، يُرَجَّح أن تكون قيادة «محافظة» أو «تقليدية»، أكثر حذراً في تعاطيها مع الانتخابات التشريعية المقبلة في 2010. إلا أن انسحاباً كلياً من الانتخابات هو أمر مشكوك في حصوله. كذلك ستعني مواصلة الضغط من الأجهزة الأمنية والمسار الداخلي للجماعة أن «الإخوان» سيقدمون عدداً أقل من المرشحين، مقارنة مع عدد مرشحيهم في 2005. (انتهى التعليق).
معظم المعلقين ينظرون إلى اختيار بديع على أنه إشارة إلى أن الإخوان سيحوّلون تركيزهم الآن إلى داخل تنظيمهم، بهدف إعادة ترتيب البيت الداخلي بعد سلسلة من الخلافات العلنية على انتخابات أعضاء مكتب الإرشاد.

خيار توحيدي؟

يصف مصدر السفارة، رفيق حبيب، محمد بديع بأنه «معتدل» معروف بشخصيته الدمثة وقدرته على «التواصل جيداً»، وهو ما يجعله مؤهلاً لمعالجة الانشقاق الظاهر بين «إصلاحيي» الجماعة و«محافظيها». أما الكاتب المستقل والعضو السابق في «الإخوان» إبراهيم الهضيبي (حفيد المرشد العام السادس مأمون الهضيبي)، فيرى أن كون المرشد محمد بديع لا يستقي مشروعيته من علاقة شخصية مع المؤسس حسن البنا، فإنه لا يفتقد مشروعية فحسب، بل ينقصه أيضاً الوقار المطلوب لمعالجة الخلافات الداخلية. قد تستفيد قيادة بديع من الإرهاق الذي أصاب «الإخوان المسلمين» بنتيجة ضغوط الحكومة المصرية وانكشاف الغسيل الداخلي الوسخ للجماعة أمام الرأي العام المصري. ووُصف بديع من بعض مصادر السفارة الأميركية بـ«وكيل» القيادي المحافظ الأقوى داخل «الإخوان»، الأمين العام السابق محمود عزّت (ملاحظة: يتشارك بديع وعزت في تجربة مشتركة على اعتبار أنهما اعتقلا مع سيد قطب في عام 1965 قبل أن يعفو عنهما الرئيس أنور السادات).

المشاركة في الانتخابات المقبلة

وبحسب كل من ضياء رشوان وعمرو شوباكي (كلاهما محللان في مركز الأهرام ومتابعان لجماعة الإخوان ولحركات إسلامية مصرية أخرى)، ستكون نتيجة اختيار محمد بديع «جماعة إخوان» تركز أكثر على النشاط الديني (أو الدعوي) وعلى الخدمات الاجتماعية، وانخفاض في مجال المشاركة في الانتخابات المقبلة. في جميع الأحوال، حذّر مصدر السفارة، المثقف المسيحي رفيق حبيب، الذي يحافظ على علاقات وثيقة مع الإخوان، السفارة من الجزم بأن الإخوان سينسحبون كلياً من الحياة السياسية. وأشار إلى أن القيادات المحافظة، وتحديداً محمود عزت، قد ينكرون الحاجة إلى تأسيس حزب سياسي تابع للإخوان، وهو ما يصرّ عليه إصلاحيو الجماعة، كعبد المنعم أبو الفتوح، إلا أنه لا يزال ملتزماً التزاماً كاملاً بمشاركة الإخوان في الانتخابات. وبحسب حبيب، ما قد يتغيّر هو فقط عدد مرشّحي الإخوان في انتخابات 2010. وبحسب حبيب، إنّ إقصاء محمد فتوح وأبو الفتوح عن مكتب الإرشاد كان بمثابة عقوبة لهما على انتقادهما العلني للجماعة، وليس نتيجة لرفض مواقفهما. وعلى حد تعبيره، إنّ الخلاف بين الإصلاحيين والمحافظين ليس أيديولوجياً، بل يتعلق بالمدى الزمني الذي يهمهم؛ إنّ المحافظين، مثل عزّت، أكثر اهتماماً بمصالح الإخوان في السنوات العشرين المقبلة، وهو ما ينتج منه اتجاه للتركيز أولاً على الوحدة التنظيمية للجماعة. في المقابل، وبحسب حبيب، إنّ «الإصلاحيين» من أمثال فتوح، أكثر اهتماماً بما قد يحصل في السنوات القليلة المقبلة. هم يفضّلون حثّ الجماعة على الاستفادة من المناخين السياسي والاجتماعي السائدين، ومن ضمنهما تكوين تحالفات مع أطراف سياسية أخرى، لتعزيز مصالح الإخوان. وشدّد حبيب أيضاً على أنه، بينما كانت قيادات مكتب الإرشاد في السابق تتمتّع بتنوّع عمري، فإنّ فريق القيادة الحالية متجانس من حيث إن عدداً قليلاً من أعضاء مكتب الإرشاد يتخطون سنّ الـ60. ويرى آخرون أن التحول «اليميني» الذي طرأ على الإخوان هو نتيجة مباشرة لضغوط الحكومة المصرية التي مارستها طوال العام الماضي. وأشار العضو السابق في «الإخوان»، أحد مؤسسي حزب الوسط (الذي لا يزال غير مسجل رسمياً)، أبو العلا ماضي، إلى أن استهداف التوقيفات دائرة «الإصلاحيين» هو جزء من الجهود الحكومية لتحييد هؤلاء الذين يدفعون للمشاركة في انتخابات 2005. وتوقع أن تعطي هذه الاستراتيجية القصيرة المدى نتائج عكسية، بينما ترى الأجهزة الأمنية أن السيطرة على الجناح المحافظ الذي يعوّل على استمرار جماعة الإخوان على المدى الطويل، أسهل من السيطرة على الجناح الإصلاحي. وحذّر ماضي السفارة من أن «الإخوان»، من دون جناح إصلاحي قوي، سيصبحون أكثر عزلة، وعلى الأرجح «سيتصرفون على نحو خارج عن القانون».
مارغريت سكوبي




بين جمال وعصام

تقيم السفيرة الأميركية في القاهرة، مارغريت سكوبي، في برقية بتاريخ 25 كانون الأول 2009 [09CAIRO2298]، مقارنة غريبة بين طرفين: جمال مبارك وفريق الجيل الجديد المحيطين به في الحزب الوطني الحاكم (سابقاً)، مع القيادي «الإصلاحي المعتدل» في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان والمجموعة الشبابية المؤيدة له ولزميله النقابي عبد المنعم أبو الفتوح من حيث إن كلاً من مبارك الابن والعريان يقودان جيلاً شاباً، وصراع أجيال داخل تنظيميهما في مواجهة «الحرس القديم»، مع لفت البرقية المذكورة الانتباه إلى أن مصطلحي «إصلاحيين» و«محافظين» يُستخدمان من المراقبين غير المنضوين في «الإخوان»، لا من الإخوانيّين المعنيّين بالانقسام الداخلي. وفي مكان آخر من البرقية، يكشف مصدر السفارة، رفيق حبيب، أنّ المرشد السابق محمد مهدي عاكف ينوي عقد اتفاق مع الحكومة المصرية، ينص على أن يشارك الإخوان في الحياة السياسية مشاركة محدودة على مدى 10 سنوات مقبلة، في مقابل نيل الجماعة وعوداً حكومية بالتحوُّل الديموقراطي. ويظهر أنّ البرقية تتبنّى تحليل أحد مصادرها، خليل عناني، في ما يتعلق بالخليفة المحتمل لمحمد مهدي عاكف، وهو نائب المرشد في حينها، محمد حبيب. وبحسب عناني، يريد حبيب (المحافظ) هذه الوظيفة، بدليل أنه وضع نفسه في المرحلة الأخيرة في الموقع الوسطي (بين المحافظين والإصلاحيين)، حتى إنه قدّم مشروعاً للإصلاح الداخلي «علّه ينال رضى شباب الإخوان المحبطين من القيادة الحالية» (في حينها). وفي السياق، يكشف عناني أنّ محمد حبيب سعى إلى تأجيل الانتخابات الداخلية للإخوان (مجلس الشورى) حتى حزيران 2010 «بهدف تعزيز سمعته والتمكن من الترويج لمشروعه الإصلاحي الداخلي».