عمان | أعادت الأحداث الأخيرة التي شهدها الأردن في أعقاب فضّ اعتصام شباب 24 آذار المطالب بإصلاحات سياسية الجدل مجدداً بشأن قضية الهوية الوطنية. ووفق مراقبين، أدّت تلك الأحداث إلى حملة تجييش غير مسبوقة ضد الأردنيين من أصول فلسطيينة الذين يمثّلون أكثرية سكان الأردن.
فالأجهزة الرسمية استعانت بالبلطجية لقمع المعتصمين، بعدما أقنعتهم بأن من يعتصمون بالدوار هم إسلاميون وفلسطينيون يريدون قلب نظام الحكم. يحدث ذلك رغم أن من يقود المطالب بإصلاحات سياسية في الأردن هم من أبناء العشائر الذين نظّموا أنفسهم في حركات ذات طابع شعبي، أبرزها حركة «جايين للتغيير». كذلك فإن حركة «شباب 24 آذار» ذاتها تضمّ في صفوفها المئات من أبناء العشائر الأردنية.
والواقع أن قضية الهوية الوطنية في الأردن كانت دائماً مثار شدّ وجذب، ولا سيما من جهة القوى التي ترفض الإصلاح السياسي في المملكة، لأنه يعني من وجهة نظرها تمكين الفلسطينيين في الأردن من حقوقهم السياسية كاملة، بما يثير مخاوفها على امتيازاتها، وخصوصاً أن هذه القوى في معظمها قوى عشائرية (شرق أردنية)، يعمل معظم أفرادها موظفين في الدولة، فيما يدير الفلسطينيون عجلة الاقتصاد في المملكة.
مشكلة الهوية الوطنية لها انعكاسات قديمة على أرض الواقع، إذ إن الأردن بدأ يمارس سياسة الإقصاء والتهميش بحق مواطنيه من أصول فلسطينية بعد حرب أيلول عام 1970. ولكن هذه السياسة تعمّقت وترسّخت في العقد الأخير، حين أُقصي الفلسطينيون عن الوظائف المهمة والحساسة في الجهاز الإداري والأمني والعسكري الأردني، وانحصرت أعمالهم في القطاع الخاص، فيما «طعّم» النظام السياسي، على مر السنين، المناصب الرسمية ببعض الوجوه والشخصيات الأردنية من أصول فلسطينية، كنوع من الدلالة على المشاركة في هرم الدولة.
السياسات الرسمية تجاه الأردنيين من أصول فلسطينية انعكست سلباً على نسبة مشاركتهم في الانتخابات النيابية وحجم تمثيلهم في مجلس النواب، الذي لم يزد على 15 في المئة في الانتخابات الأخيرة التي جرت في تشرين الثاني الماضي.
وفي السنوات الأخيرة، نشطت وزارة الداخلية في سحب الجنسيات من الأردنيين من أصل فلسطيني، متذرعة بأن ذلك لمواجهة محاولات توطين الفلسطينيين في الأردن، وقضية الوطن البديل التي يطرحها اليمين في إسرائيل باستمرار.
المطالبة بالإصلاحات الدستورية والسياسية ومحاربة الفساد كانت مناسبة لإعادة الجدل بشأن الهوية، رغم نفي المشاركين في الاعتصامات أيّ ربط بين المطالب وقضية الجنسيّة.
الرجل الأكثر إشكالية في الساحة السياسية الأردنية أخيراً، رئيس اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين، الجنرال علي الحباشنة، أشار إلى أن «الاعتصام الذي أقامه الشباب في ميدان جمال عبد الناصر كان يضم القوى الوطنية من مختلف الطيف السياسي، ومن كافة المنابت والأصول». وشدّد على أن هناك قوى من الفاسدين والمستفيدين من الوضع الراهن لها اليد «في تحويل الموضوع إلى إقليمي».
وبيّن الحباشنة أن هناك أيادي خفية ألّبت الرأي العام وحوّلته إلى موضوع يثير النعرة الإقليمية. وقال «هذا الموضوع يجب أن ينتهي. المشكلة هي أن أيّ مطالب ينادي الشارع بها، يجري اللعب على الهوية الأردنية. إسرائيل لديها أطماع في الأردن، ولديها مشكلة ديموغرافية تحاول حلّها على حساب الأردن، وأعتقد أن أيّ جواز سفر يعطيه الأردن للفلسطينيين يخدم إسرائيل ومصالحها».
وحمّل الحباشنة مسؤولية الشعب الفلسطيني وما يعانيه للسلطة الفلسطينية في رام الله وقال: «السلطة الفلسطينية متهمة بالفساد أيضاً، حيث صارت تفاوض إسرائيل على تأجيل أو تأخير في بعض التفاصيل، في المقابل إسرائيل تماطل في إعطاء الحق للفلسطينيين».
وقال الحباشنة إن «المشروع الصهيوني القديم ــــ الجديد لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن تحوّل إلى خطط يجري تنفيذها بالفعل، سواء على المستوى الاستراتيجي بمنع قيام الدولة الفلسطينية وتحويل الضغط الدولي باتجاه الأردن، أو على المستوى الميداني بمواصلة سياسات الحصار والتهجير لأبناء الضفة الغربية باتجاه الأردن، أو على المستوى السياسي والإعلامي بشنّ حملة منظمة ضد المملكة من أجل تجنيس المزيد من الفلسطينيين، وفرض ما يسمّى المحاصصة السياسية، في ظل ما يخطط له من أغلبية ديموغرافية فلسطينية».
وأشار الحباشنة إلى أن هذه الخطط تلاقي نجاحات متتابعة، إذ بلغ عدد الفلسطينيين في الأردن اليوم أربعة ملايين ونصف مليون، منهم مليونان من اللاجئين والنازحين المجنّسين نهائياً، ونحو 850 ألف نازح مجنّس يحمل البطاقة الصفراء (ما يعني أنه يملك تصريحاً من الاحتلال بالإقامة في الضفة الغربية) وحوالى مليون و250 ألفاً من غير المجنّسين الذين يحملون البطاقة الخضراء (الضفة الغربية) والزرقاء (غزة)، وتتعرض المملكة لضغوط صريحة لتجنيس الجميع، ومنحهم كوتا في النظام السياسي تساوي نسبتهم، وهو ما يقود إلى الوطن البديل.
ودان الحباشنة سياسات الحكومية الأردنية التي «تظهر الضعف الشديد نحو الضغوط الأميركية والتحدي الصهيوني وأعوانه المحليين، وقد شرعت بالفعل في اعتماد نظام المحاصصة المتجه نحو الوطن البديل في المستويات السياسية والإدارية والسيادية، ويظهر ذلك من خلال تولية السلطات الرئيسية والقيادات والمواقع الحساسة في الدولة الأردنية لغير مستحقيها، حتى من دون أن يحصل بعضهم على كامل حقوق الجنسية».
أما الناشط الحقوقي الدكتور فوزي السمهوري، فرأى أن تجاوز مشاكل الهوية الأردنية هو في إجراء إصلاح جذري. وقال «إن إرادة الإصلاح غائبة، حيث جاءت هذه الحكومة الحالية نتيجة لإسقاط حكومة سمير الرفاعي، وأُلّفت هذه الحكومة من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي، واستجابة لمطالب القوى السياسية والشعبية، لعدم ثقتها بأن الانتخابات النيابية جرت بشفافية ونزاهة». وأكد «الاقتناع لدى غالبية الشعب الأردني بأن المجلس النيابي الحالي لا يمثّل الشعب الأردني الذي توزّع بين مقاطع ومستنكف ومشارك لا يثق بإفرازات تلك الانتخابات».
وتابع السمهوري: «ها هي الحكومة الجديدة تتقن إضاعة الوقت، والتهرّب من ترجمة المطالب الشعبية التوّاقة إلى الحرية، وحق الجماهير في المشاركة في كل القرارات التي تهم شؤونها، والمتطلعة إلى أن تعيش في كرامة». وأشار إلى أن الحكومة لا تزال ترسل رسائل سلبية عن مدى توافر إرادة جادة للسير نحو تعزيز الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان.
بدوره، أكد المحلل السياسي محمد أبو رمان أن أحداث يوم الجمعة قبل الماضي في ميدان جمال عبد الناصر التي قادها شباب 24 آذار كانت بشعة وسيّئة، حيث وُظّفت النزعات العنصرية والإقليمية لمواجهة الحراك الشبابي، وإظهار أن الفلسطينيين يريدون السيطرة على البلاد.
ولفت أبو رمان إلى أنه «لا أحد يعرف تداعيات هذا الأسلوب، ما سيؤدي إلى صراع خطير في كل مجالات الحياة». وقال إن ما جرى يضعنا أمام أسئلة جديدة، كما وضعنا أمام مفترقين. خطورة هذه السياسة ناتجة من رموز في الدولة، وشدد على أن المعارضة معنية بتفويت هذه الفرصة، ورفع سقف المطالب. وطالب بمحاكمة بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الدولة، مشيراً إلى أن بعضها خوّن المشاركين.
ويرى عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية، أن «ثمة نبرة مزعجة تماماً، وخطرة على نحو خاص، تظهر من بين ثنايا خطاب المدافعين عن المحتجّين في ميدان جمال عبد الناصر. ويرى أن «مصدر الإزعاج هنا يكمن حصراً في تشديد هؤلاء على أن المعتصمين في الدوار ليسوا في غالبيتهم العظمى أردنيين من أصول فلسطينية، بل أردنيون من أبناء العشائر والمحافظات، لكأن وقع الجريمة سيكون أقل، أو لكأنها تكفّ عن أن تصبح جريمة لو أن المعتصمين في الميدان كانوا من أصول فلسطينية».
وأشار إلى أن «الكثير من التصريحات والبيانات والتغطيات مثقلة بهذه المقاربة، للبرهنة على أن شباب الميدان هم أبناء عشائر ومحافظات، وليسوا من أصول فلسطينية كما يزعم البعض. هؤلاء «أولاد الست وليسوا أولاد الداية»، كما يقال في موروثنا الشعبي. لكأنه يحق فقط لجزء من المواطنين الأردنيين بالتظاهر والاحتجاج والمطالبة بالإصلاح والتغيير، أما الجزء الآخر، فيجب أن يحترم قواعد الضيافة وآدابها».
ووصف الرنتاوي هذه القراءة بـ«الناضحة بالإقليمية البغيضة، وهي الوجه الآخر لسياسة التهميش المنظم التي خضع لها هذا الجزء المكوّن من الشعب الأردني. فالذين يضيقون ذرعاً بمشاركة هذه الشريحة من المواطنين في البرلمان والحكومة ومؤسسات الدولة، للأسباب الواهية المعروفة، هم أنفسهم الذين يحتجّون اليوم على وجود شباب من هذه الشريحة في دوار الداخلية، وفي أحسن الأحوال، يجهدون في البرهنة على أن وجودهم كان رمزياً لا أكثر. هؤلاء غير مرغوب فيهم في السلطة ولا في المعارضة، لا في الدوار الرابع ولا على دوار الداخلية (ميدان جمال عبد الناصر)».
وحذر الرنتاوي من أن «أخطر ما في أمر هذه الظاهرة ليس تداولها على ألسنة أبناء المدرسة الإقصائية ورموزها المعروفين وبياناتهم ومقالاتهم وتعليقاتهم، فهؤلاء اعتدناهم واعتدنا ترّهاتهم. أخطر ما في الأمر هو تعامل ضحايا هذه المدرسة، إن جاز التعبير، مع الأمر كمعطى سابق وحقيقة بديهية. بعض هؤلاء انبرى أيضاً للبرهنة على أن غالبية (شباب الميدان) ليسوا من أصول فلسطينية». وشبّه ما قام به البلطجية يوم جمعة 25 آذار بحركة الجنجويد، وقال «ندرك بالطبع أن بعض ما ورد في هذا السياق جاء ردّاً على الفزّاعات والمزاعم التي شهرتها ولوّحت بها غرف العمليات السوداء التي حرّكت الجنجويد وجمّعتهم وقادتهم ميدانياً، والتي تقول بأن ثمة خطراً على الأردن، وطناً وكياناً وهوية، وأن المنتفضين في الشوارع هم «رأس جسر» مؤامرة التوطين والوطن البديل، وهم جميعهم من لون واحد، حتى وإن أمكن لهم «تضليل وخداع» بعض الأردنيين الشرفاء من ذوي النيّات الحسنة. ندرك ذلك تمام الإدراك، بيد أننا نحذر من مغبة الانجرار وراء هذا المنطق، أو بالأحرى، اللامنطق، حتى لا نجد أنفسنا ذات يوم نروّج لثقافة الكفيل والبدون ونقونن لها، بعدما لفظت أنفاسها أو تكاد في بلدان المنشأ الخليجي».
واتهم الرنتاوي خطاب الحكومة بأنه محرك للغرائز والهراوات والسيوف. وقال إن الخطاب «لم يكن بعيداً عن خطاب الحكومة، وبعض إعلامها الرسمي، والناطقين باسمها والمحسوبين عليها. فالرواية التي قُدمت لأحداث الجمعة، وتحميل الإخوان المسلمين وزر ما حصل، وربط المسألة بمؤامرة خارجية، كل ذلك معطوفاً على سياسة تنميط متعمّد للإخوان المسلمين كـ«تنظيم فلسطيني»، مهّد الطريق لغزوة ميدان جمال عبد الناصر، وتداعياتها المرّة». ورأى أن «خطاب البلطجية وسلوكهم، هما الثمرة الأمرّ، أو الابنة غير الشرعية لخطاب حكومي منفصل عن مجريات الوضع في البلاد، يلهث خلف التطورات من دون جدوى، محمّلاً الحكومة أسباب التوتير والتأزيم، بدل أن تكون جزءاً من الحل، ومخرجاً من الأزمة والاستعصاء».
وقال «لا يهم بعد ذلك أن تصدر التعليمات للأجهزة الأمنية للتصدّي للبلطجية. فلن يأخذ أحدٌ أمراً كهذا على محمل الجد، وخصوصاً بعد حلقات الدبكة التي شهدناها على صحفات يوتيوب احتفاءً بتحرير ميدان جمال عبد الناصر. لا أحد سيشتري هذه البضاعة بعدما خرج الكلام كالرصاص، في كل الاتجاهات، معلناً المواجهة المفتوحة مع الشعب ومشروعه الإصلاحي. خطاب الفتنة انطلق للأسف، ومصدره رئيس الحكومة التي أقسمت على حفظ الوطن والدستور والوحدة الوطنية والأمن والسلم الأهليين».
وتساءل عن التعليمات التي أصدرها رئيس الوزراء للأجهزة الأمنية بالتصدّي للمتطاولين على القانون والبلطجية، «هل يحتاج أمر التصدّي إلى حملة السيوف والهراوات والجنازير، إلى تعليمات؟ أليس التصدي لهؤلاء في صلب ولاية الأجهزة وتفويضها وقانونها؟ أليس الأصل أن تُجتثّ هذه الظاهرة قبل أن ترى النور، أو بالأحرى تغرق وتُغرقنا في ظلام دوار الداخلية ومحيطه؟ ما الذي كانت تفعله هذه الأجهزة قبل صدور التعليمات الأخيرة إليها؟ هل هكذا تُدار دولة المؤسسات والقانون؟».



البخيت ملتزم بالإصلاح

أعلن رئيس الوزراء الأردني، معروف البخيت، أن الإصلاح في كل مناحيه السياسية والاقتصادية مطلب أردني، وهو عملية مستمرة، مشدداً على أن الأردن يدير حالياً عملية للتغيير والإصلاح.
وقال البخيت، في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس، إن الأردن يعيش حالياً قفزة إصلاحية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بهدف دفع عملية التقدم إلى الأمام. وعرض ما سمّاه «إنجازات حكومته» في مجال الإصلاح السياسي، مشيراً في هذا الصدد إلى تأليف لجنة الحوار الوطني التي ستعمل على وضع قانون جديد للانتخابات، وقانون جديد للأحزاب السياسية.
وذكّر البخيت أيضاً بالتعديل الذي أدخلته حكومته على قانون الاجتماعات العامة، بحيث خفّفت القيود المفروضة على التظاهر والمسيرات، كذلك أشار إلى موافقة حكومته على إنشاء نقابة للمعلمين.
وقال البخيت، خلال المؤتمر الصحافي، إن حكومته تبنّت خريطة طريق للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأضاف أن حكومته دعمت هيئة مكافحة الفساد لتتمكّن من القيام بدورها في هذا المجال.
(يو بي آي)