تعز | بالأمس تذكّر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح فجأةً أنّ ما تقوم به دول مجلس التعاون الخليجي، إنما هو تدخل في شؤون اليمن الداخلية، لكن هذا الموقف لم يكن وارداً عندما كان الأمر يتعلق بدعم مالي مقدّم من دول الخليج للمشاركة في إنجاز صندوق «أصدقاء اليمن»، الذي أنشئ بعد مؤتمر لندن عام 2006، ويعنى بالصرف على مشاريع تنموية مهمّة في اليمن. حتى إنه طلب بنفسه، عندما لاحظ تخوف بعض الدول الخليجية من عملية الدفع المباشر له، وبالتالي عدم صرفها في غير ما خُصصت له، أن ترسل من يشرف على صرف الأموال مباشرةً. وقال صالح، أمام حشد من أنصاره في ميدان السبعين أمس، إن «المبادرة التي تقدّم بها وزراء خارجية مجلس دول التعاون الخليجية، التي تنص على تنحّيه مقابل ضمان عدم ملاحقته وأسرته، إنما هي تدخّل في الشأن اليمني». وأضاف صالح، في خطاب لم يستمر أكثر من دقيقتين ونصف دقيقة أمام عشرات الآلاف من مؤيديه، إنه يرفض أيّ تدخل في شؤون اليمن من دول تسعى إلى البحث عن مخرج مناسب له أن ينهي الأزمة الخانقة. وقال مخاطباً الجماهير، التي يعلم جيداً كيف حُشدت في الميدان، وحجم المبالغ التي صرف لذلك، «نحن نستمد قوتنا من قوتكم، ونستمد ثقتنا من ثقتكم، نحن منكم وإليكم. لا نستمد شرعيتنا من أي طرف آخر، لا من قطر ولا من غير قطر. فهي مرفوضة، وهذا تدخل سافر في الشأن اليمني، فمرفوض ما تأتي به المبادرة القطرية، وما تأتي به قناة الجزيرة». ودعا صالح دول الخليج والدول الغربية إلى ما سماه «احترام مشاعر الشعب اليمني». وقال «نحن نملك إرادتنا بأنفسنا ووجدنا أحراراً لا نستمد قوتنا إلا من شعبنا العظيم، وعليهم أن يحترموا مشاعر الشعب اليمني، سواء كانوا أشقاء أو أصدقاء، نحن نستمد قوتنا من الشرعية الدستورية، ونرفض تماماً الانقلاب على الديموقراطية والحرية والنهج السياسي، الذي انتهجته اليمن عندما أعلنت في 22 مايو أنها يمن ديموقراطي موحد».
لكن اللافت أن رفض الرئيس صالح للمبادرة الخليجية جاء مخالفاً تماماً لسيناريو الساعات الأخيرة التي سبقت خطابه، والتي تركّزت على التفاؤل الذي تسرب من تصريحات وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي، التي قالها في شأن المبادرة من أنها قيد نقاش جاد بإشراف «القيادة السياسية». وما يدعو إلى الاستغراب أن المبادرة جاءت بناءً على توسلات أخيرة أطلقها الرئيس صالح، الذي طلب مراراً من دول مجلس التعاون الخليجي التدخل لحل الأزمة، وإيجاد مخرج آمن له ولأسرته، والدليل على ذلك أن النقاشات الأخيرة التي طرحت على الطاولة كان هو من طرحها، وتخص مسألة ضمان عدم ملاحقته، أو ملاحقة أحد من أسرته ونظامه قضائياً بعد إعلان تنحيه عن الرئاسة، ونقل صلاحياته الرئاسية إلى نائبه. وهو ما رفضته لاحقاً اللجنة الإعدادية للثورة الشبابية.
وقد جاء الرد الأول لأحزاب اللقاء المشترك على لسان الأمين العام للحزب الوحدوي الناصري سلطان العتواني، الذي قال في تصريح لقناة «الجزيرة»، إن الرئيس صالح لا يزال يمارس هوايته في اللعب على مسألة الوقت، مؤكداً أنه يحاول التهرب من حقيقة أن رحيله صار «أمراً لا مفر منه».
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أمس أنها ترحب بجهود مجلس التعاون الخليجي لمعالجة الأزمة السياسية في اليمن. وقالت إن كل الأطراف يجب أن يشاركوا في هذا الجهد كي ينجح.
ويأتي هذا الرفض الجديد الذي أبداه الرئيس صالح وسط أنباء مؤكدة عن تسليحه العديد من عناصره في مختلف المدن اليمنية، وهو ما حذر منه خطيب صلاة الجمعة في «ساحة الحرية» بمدينة تعز (جنوب صنعاء)، الذي طالب المصلّين بالإبلاغ عن أي مظاهر غريبة يلاحظونها من «توقف عربات في حواري المدينة»، في إشارة إلى رصد دخول كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة، وتسليمها إلى مشايخ الحارات التابعين للسلطة المحلية. لكن حالما انتهى المصلون من صلاة الجمعة والصلاة على أرواح القتلى الذين سقطوا يوم الاثنين الماضي في المدينة، بدأ إطلاق نار كثيف مصحوب بإطلاق قنابل غازية سامّة على محيط الساحة. وكان قد لوحظ تجمّع أعداد كبيرة من «البلاطجة» في محيط الساحة قبل خطبتي وصلاة الجمعة، وخصوصاً أن المنطقة التي تقع فيها «ساحة الحرية» منخفضة مقارنةً بالمنطقة المحيطة بها، ما يعطي «البلاطجة» المتمركزين عليها أفضلية وسهولة في علمية قنص الشباب الموجودين تحت مرمى نظرهم. مع ملاحظة أن هذا قد جرى بالتوازي مع انسحاب قوات الفرقة الأولى مدرع من المدخل الجنوبي للساحة، التي كانت قد تمركزت فيها بعد أحداث الاثنين الماضي، مكوّنة جداراً فاصلاً بين قوات الحرس الجمهوري والشباب من جهة مدرسة الشعب.
ومع انسحاب قوات الفرقة الأولى مدرع، انفردت قوات الحرس الجمهوري بالمكان، ما سهّل لها إطلاق الرصاص الحي على المعتصمين الشباب، ما نتج منه سقوط 3 قتلى على الأقل ونحو أكثر من 300 مصاب، ست حالات منهم خطيرة، إضافةً إلى إصابة أكثر من ألف معتصم بحالات اختناق حادّة جراء استنشاق الغاز السامّ.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا مع تمادي الرئيس صالح في استخدام القوة والعنف تجاه المعتصمين إلى أيّ مدى يمكنه الذهاب في هذا الطريق، وخصوصاً مع رفض الشباب التعامل معه بالمثل، وتمسكهم بخيار النضال السلمي، وما هي الخيارات الأخرى التي يمكن أن يسلك طريقها في الأيام المقبلة؟