المنامة | هو التاريخ وحده القادر على شرح هذا الكره المضاعف من النظام لقيادات التيار الديموقراطي، كما يطلق عليهم، فمن يلحظ نشوء الجبهة الشعبية وامتدادها الشعبي الجارف في السبعينيات، يكتشف أن تغذية تيار الإخوان المسلمين في البحرين كان صنيعة النظام آنذاك للحد من المدّ اليساري المخيف، وإثر ذلك أنشأ النظام التيار السلفي لاحقاً، خوفاً من الإخوان المسلمين وطمعهم الدائم بالحكم والكرسي.أما اليسار، فكان دائماً مشكلة النظام التي لا حلّ لها، يعرف عنه المبدئية وكذا الروح الثورية التي لم تفارقه، رغم صعود التيارات الدينية السنية والشيعية وسيطرتها على المشهد السياسي في البحرين. ورغم غياب القيادة التاريخية، التي لا يختلف اثنان في تأثيرها الكبير على المستوى الشعبي، بدأ هذا التيّار يتمدد تحديداً منذ انتخابات 2006، على نحو بدأ يقلق السلطة التي لم تتوقف عن استهدافه.
التيار الديموقراطي منقسم إلى أحزاب ثلاثة، هي «التجمع القومي»، «المنبر التقدمي»، و«العمل الوطني»، مع إمكان إضافة التجمع الوطني (ناصري) إليهم أيضاً. لكن المد الشعبي يحصر اليسار في اثنين «المنبر التقدمي»، بقيادة الدكتور حسن مدن، و«العمل الوطني»، بقيادة إبراهيم شريف. ويمكننا القول إن المنبر التقدمي والعمل الوطني «وعد» لديهما اختلافات كبيرة على مستوى الممارسة، بل وحتى الثورية؛ إذ لا يمكننا إغفال أن المنبر التقدمي خالف رأي المعارضة في 2002 وشارك في الانتخابات النيابية، فيما بعض كوادره أصبحوا مستشارين للحكومة، فكانوا عرضةً لهجوم عنيف من الدكتور عبد الهادي خلف المقيم في الخارج. وبدأ الفراق أكثر وأكثر في 2006، حينما نافس المنبر التقدمي المعارضة في جميع الدوائر الانتخابية مع خسارته لكل المقاعد. وفيما كانت قدرة المعارضة على التنسيق مع المنبر التقدمي غير مفهومة بعد انتهاء كل مرحلة، انكسرت الجرّة بين الطرفين في انتخابات 2010، حين وقف المنبر التقدمي إلى جانب النظام، وزاد الطين بلّة توجه بعض قياداته لإلقاء خطابات في افتتاح مقار المترشحين المتنافسين لـ«وعد» والمحسوبين على السلطة، كما حصل في افتتاح مقر خيمة عيسى القاضي مرشح السلطة، الذي كان يواجه الدكتورة منيرة فخرو.
أما الوفاق، فكانت أولى بالخصام، حين واجه جواد فيروز الأمين العام للمنبر التقدمي، حسن مدن. ولطالما كان المنبر التقدمي يقف إلى جانب الكفّة الأقوى في الميزان، حسب ما يقول أحد قياديي «وعد» لـ«الأخبار»، ويؤكد بقوله: «إننا لم نُفاجأ بانضمام المنبر التقدمي إلى المعارضة في دوار اللؤلؤة، بل كنا دائمي الترحيب بهم».
ومع دخول قوات «درع الجزيرة»، جلس المنبر الديموقراطي ليأخذ قراره بالوقوف إلى جانب الأقوى دائماً، ولهذا السبب نشر بياناً منفرداً عن باقي قوى المعارضة واضح الدلالات والمفاهيم. أما العمل الوطني الديموقراطي «وعد» فبقي على مبادئه الثوريّة، وكان مصدر إزعاج حقيقي للنظام الذي لطالما حاربه. فمنذ انتخابات 2006، التي وظّف فيها النظام آلته الإعلامية لتشويه سمعة «وعد»، وصولاً إلى تزوير الانتخابات من خلال المراكز العامة وإسقاط جميع مرشحي «المنبر»، لم تتوقف الحملة الإعلامية على «وعد» ورموزها. سبب هذه الحملات معروف؛ إذ إن «الوفاق» بطبيعتها الإسلامية الشيعية، لديها جمهورها الشيعي الذي يصعب أخذه منها، أما «وعد» اليسارية فهي التي تنافس الدولة في الدوائر السنيّة، ولديها قدرة كبيرة على اختراق هذه الدوائر، ما يعدّه النظام خطاً أحمر.
واستمرار «وعد» في التوسّع بهذه الطريقة المخيفة لا يخدم مخططات النظام التي قامت على توتير مذهبي بين السُّنة والشيعة، لذا كان لا بد من إسكات هذه المعارضة الشرسة والمبدئية هذه المرّة. ومع تطوّر الأحداث في البحرين أخيراً، أُحرق مقر «وعد» الرئيسي مرتين، فيما تعرضت مكاتب أخرى للتكسير والتخريب. أما بعد دخول قوات «درع الجزيرة»، فاعتقل النظام الأمين العام لـ«وعد» إبراهيم شريف مع قيادات أخرى، فيما احتجز رئيس الهيئة المركزية لـ«وعد» عبد الحميد مراد لمدة تقارب ثماني ساعات، قبل استدعائه عصر أول من أمس لإجراءات تشميع الدولة مقر «وعد»، الذي تزامن مع حجب موقعها الإلكتروني.