غزة| هاجمت حركة «حماس» ومنظمة التحرير الفلسطينية القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون، لتراجعه عن نتائج التحقيق في شأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قبل أكثر من عامين، وتضمينها في تقرير حمل اسمه «تقرير غولدستون»، فيما استقبلت إسرائيل تراجعه بارتياح وطالبته بـ«الاعتذار». وقال غولدستون، في مقال نشره في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أول من أمس، إنه يجب إعادة النظر في تقرير بعثة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، التي ترأسها للتحقيق في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 27 كانون أول 2008، واستمرت 22 يوماً.

وذكر أنه يعرف الآن ما حصل في الحرب على غزة أكثر مما كان يعرفه حين ترأس البعثة، مضيفاً «لو كنت أعرف يومها ما أعرفه الآن، لكان تقرير غولدستون وثيقة مختلفة».
وجدد غولدستون انتقاده لإسرائيل لرفضها التعامل مع بعثته، لكنه أشاد بها في إجراء تحقيقات خاصة «خلصت إلى أن المدنيين في غزة لم يُستهدفوا عمداً وبناء على سياسة محددة، وأن تلك التحقيقات أكدت صحة بعض الحوادث التي حققت فيها البعثة، وشملت حالات تورط فيها جنود على نحو فردي، إلا أنها تشير أيضاً إلى أن تلك الحوادث لم تكن سياسة تستهدف المدنيين عمداً».
وأبدت حركة «حماس» استغرابها من «موقف» غولدستون، و«تراجعه عن جزء من التقرير الدولي، وتقبّله للرواية الإسرائيلية، رغم أن الاحتلال الإسرائيلي رفض استقباله أو التعاون معه مقابل استقباله في غزة وتقديم كل التسهيلات لعمل فريقه».
ودعا المتحدث باسم حركة «حماس» سامي أبو زهري، في بيان أمس، «الأمم المتحدة إلى إنفاذ ما ورد في تقرير غولدستون، لأن التقرير أصبح إحدى الأوراق والوثائق الدولية». وقال إن «التقرير ليس ملكاً شخصياً لغولدستون، فقد شارك في وضعه فريق من القضاة الدوليين، هذا عدا عن أن التقرير اعتمد على جملة من الوثائق وشهادات شهود عيان في الميدان، ما يزيد من قوته وصدقيّته».
واستنكرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير «الدوافع غير المبررة والمفهومة» لتراجع غولدستون. ورأت أن «هذا التراجع المفضوح لا يلغي الصدقية الكبيرة لهذا التقرير، وخصوصاً أنه بُني على مشاهدات وتحقيقات عينية وملموسة وذات صدقية لنتائج العدوان الإسرائيلي على غزة». وقالت: «لقد بدا واضحاً من تصريحات غولدستون ومحاولة تبريره للقتل المتعمّد للمدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم أسر كأسرة السمّوني التي راح ضحيتها 29 فرداً، بأنه تورّط فردي لبعض الجنود، أن منطلقاته سياسية لا تتمتع بأي صدقية قانونية أو أخلاقية».
بدوره، انتقد عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» نبيل شعث، القاضي غولدستون، قائلاً «يبدو أنه لم يستطع تحمّل الإرهاب الذي مورس ضده، فاضطر إلى أن يخضع، للأسف الشديد». وأوضح أنه: «جرت مقاطعة الرجل في كل مكان، وحظر عليه حضور تعميد أولاده في الكنيس الإسرائيلي، وحرم الاستقبال في كل التجمعات الدينية والسياسة والاجتماعية في الولايات المتحدة وأوروبا وجنوب أفريقيا، وبالتأكيد في إسرائيل التي لم يعد مرحباً به فيها منذ صدور التقرير».
وفي مقابل الانتقادات الفلسطينية، طالب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز القاضي غولدستون بـ«الاعتذار أمام دولة إسرائيل عمّا كتبه في تقريره». وقال، في تصريحات بثّتها الإذاعة الإسرائيلية العامة، «إن غولدستون تجاهل في تقريره السبب الرئيس لعملية الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وهو إطلاق آلاف القذائف الصاروخية على مدنيين إسرائيليين أبرياء».
ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأمم المتحدة إلى إلغاء التقرير الذي كتبه القاضي فوراً. وأضاف «يجب إلقاء التقرير في سلة قمامة التاريخ»، مدّعياً أنه «ليس هناك جيش أخلاقي أكثر من جيش الدفاع الإسرائيلي. وحقيقة أن غولدستون تراجع، يجب أن تؤدي إلى سحب التقرير مرة واحدة وإلى الأبد».
وفيما تشكّكت مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى في قدرة التصريحات على إلغاء التقرير، أعربت المؤسسة الأمنية في إسرائيل عن الرضى الشديد عمّا عدّته «إبداء الندم» في مقالة غولدستون. وقال وزير الدفاع إيهود باراك: «قلنا كل الوقت إن الجيش الإسرائيلي عمل حسب مقاييس استثنائية في الصراع ضد الإرهاب الذي مارسته حماس. يجدر بالقاضي غولدستون أن يحرص على نشر استنتاجاته الحالية في كل الهيئات الدولية التي نشر التقرير المزيف الذي كتبه فيها».
ورأى الجيش الإسرائيلي أن تراجع غولدستون يمنح شرعية لقصف المناطق المأهولة بالمدنيين. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيحاي أدرعي لـ«يونايتد برس انترناشونال» إنه ستُكرّر مثل هذه العمليات في الحروب المقبلة في قطاع غزة ولبنان.
وكان تراجع غولدستون عن مضمون تقريره قد فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات بشأن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء موقفه الجديد. ورغم السعي إلى وضع تراجعه ضمن سياق واقعي ينبع من اتضاح حقائق جديدة، أكدت معطيات إعلامية أن تراجع غولدستون كان نتيجة ضغط شديد مارسه عليه اللوبي اليهودي في أكثر من بلد، ولا سيما في بلده جنوب أفريقيا. وفي هذا المجال ذكرت «يديعوت أحرونوت» أن غولدستون تعرّض لضغوط كبيرة من جانب الجاليات اليهودية في كل أرجاء العالم، وحظي بمعاملة إنسان منبوذ، ابتداءً من جنوب أفريقيا التي جاء منها وانتهاءً بالولايات المتحدة.
ورغم رضى الجالية عن مقالة غولدستون، قالت مصادر فيها إنّ «درب الغفران» لا يزال طويلاً. وقال رئيس الاتحاد الصهيوني في جنوب أفريقيا، أفروم كرنغل، لموقع «يديعوت»: «من وجهة نظرنا، الخطوة (التي قام بها غولدستون) شجاعة، لكنه سبّب ضرراً كبيراً جداً». وأضاف أن «الغفران» لغولدستون لا يزال بعيداً، وأن عليه فعل المزيد لكي يغفر له.
وأكد كرنغل إنه كان ليهود أفريقيا دور كبير في «الاعتراف المفاجئ» لغولدستون، وأن الجالية هي التي دفعت به إلى «تصحيح أخطائه». وقال إن الضغوط من داخل الجالية اليهودية نجحت في مواجهة الحملة والضغوط الدولية على غولدستون.