لم تكن مفاجئة مطالبة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أمس لأحزاب اللقاء المشترك بـ«إنهاء الأزمة عبر إنهاء الحركات الاحتجاجية، ووقف قطع الطرقات، وإنهاء التمرد العسكري في بعض الوحدات»، قبيل البحث في نقل السلطة سلمياً وعبر الأطر الدستورية.
فالرئيس المحاصر بملايين الشباب المطالبين بالتغيير، لم يتوان منذ بدء الاحتجاجات عن رفض مبادرات المعارضة الواحدة تلو الأخرى، إن بطريقة مباشرة أو بنحو غير مباشر من خلال فرض شروط تعجيزية على أي حوار، كما فعل أمس، مطمئناً إلى أن المعارضة لن تجرؤ على الزحف إلى القصر الرئاسي مهما هوّل الناطقون باسمها، ومعولاً في الوقت نفسه على أنها ستعود لتقدم مبادرة جديدة، لن تحمل له سوى المزيد من التنازلات على غرار المبادرة التي قدمتها أول من أمس.
فبينما كان المحتجون يتدارسون التوجه إلى إطلاق عصيان مدني شامل، بدأت أولى بوادره تظهر في عدن، أعلنت أحزاب اللقاء المشترك أول من أمس، مبادرة جديدة لتنحي صالح.
وأبرز ما تضمنته مبادرة المعارضة، إعلان الرئيس تنحيه عن منصبه وأن تنتقل سلطاته وصلاحياته لنائبه، على أن يعيد الأخير فور توليه السلطة هيكلة الأمن القومي والأمن المركزي والحرس الجمهوري. كذلك نصت المبادرة على أن يكون التوافق مع الرئيس المؤقت على صيغة للسلطة خلال الفترة الانتقالية تقوم على قاعدة التوافق الوطني، من خلال تأسيس مجلس وطني انتقالي تناط به مهمة إجراء حوار وطني شامل، تشارك فيه كافة الأطراف السياسية في الداخل والخارج دونما استثناء، للخروج بحل لكل القضايا، والتوصل إلى رؤية للإصلاحات الدستورية.
ومما تضمنته المبادرة كذلك، تأليف حكومة وحدة وطنية مؤقتة تترأسها المعارضة، وتمثل فيها أطراف العمل السياسي إلى جانب تأسيس مجلس عسكري مؤقت لتقوم المؤسسة العسكرية بدورها وواجباتها الدستورية، بالإضافة إلى مهمتها المؤقتة في حماية ثورة الشعب السلمية. أخيراً، نصت المبادرة على تأليف لجنة عليا للانتخابات والاستفتاءات العامة، تتولى إجراء الاستفتاء على مشروع الإصلاحات الدستورية، وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بحسب الدستور الجديد.
ورغم أن المبادرة الجديدة اعترفت بدور الشباب بأنهم أول المبادرين للانتفاض على السلطة القائمة، وأكدت ضرورة عدم تغييبهم في المرحلة القادمة، إلا أنها أثبتت من جديد أن خطاب الشباب المعتصم هو أكثر تقدماً من خطاب الأحزاب.
وفيما يطرح المعتصمون ضرورة إسقاط النظام بكل أطيافه العسكرية والقبلية والدينية، لا علي عبد الله صالح فقط، الذي لا يمثل سوى رأس النظام، تأتي مبادرات المعارضة لتصب في الاتجاه المعاكس، بعدما طرحت نقل السلطات إلى نائب الرئيس الحالي، عبد ربه هادي منصور.
كذلك، تطرح دعوة المعارضة إلى تأليف مجلس عسكري انتقالي تساؤلات عن محاولة المعارضة استرضاء بعض القيادات العسكرية في الجيش لدعم مبادرتها، فيما كانت تضحيات المحتجين في ساحات الاعتصام كفيلة بدفع عدد من كبار ضباط الجيش للانحياز إلى مطالبهم، بعيداً عن أي أثمان أو صفقات جانبية.
وفي تشديد واضح على أن الهوة بين مطالب الشارع وتوجهات المعارضة عادت لتتسع، بعدما بدأت تضيق إلى حد كبير في أعقاب مجزرة «جمعة الإنذار»، سارع شباب الثورة إلى إعلان رفضهم للمبادرة، مشيرين إلى أنها مجرد رؤية سياسية، لم تتمكن من ترجمة إرادة شباب ساحات التغيير، ولا تعبر عن مطالبهم.
ولم تكن تصريحات القيادي في «ثورة الشباب الشعبية»، خالد الأنسي عن أن المبادرة مثلت خيبة أمل للكثيرين، وكشفت عن عجز أحزاب اللقاء المشترك، سوى صدى للامتعاض الذي كان يتردد همساً في أوساط المعتصمين في ساحة التغيير من أداء أحزاب المعارضة.
فالمعارضة متهمة منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة بأنها تخلفت عن أداء دورها، ولم ترم بثقلها خلف الشارع، على الرغم من تيقنها أن أصعب ما يواجه الثورة، في الوقت الحالي اضطرارها إلى مواجهة نظام متجذر لا يتردد عن استخدام كل ما يملك من وسائل، ترغيبية وترهيبية، لإجهاض الثورة.
رغم ذلك، تحفظ المعتصمون في السابق عن توجيه الانتقاد للمعارضة، أخذاً في الاعتبار مجموعة من المعطيات، في مقدمتها التنوع بين أطياف أحزاب اللقاء المشترك واختلاف مصالح هذه الأطراف، ولا سيما أن البعض منهم كان حليفاً لصالح، ويخشى من أن تشهد المرحلة المقبلة تهميشاً لدوره مقابل إعطاء مساحة لمشاركة أطراف جديدة أنتجتها الثورة. كذلك كان المعتصمون يشددون على ضرورة الاستفادة من وجود المعارضة، ولو الجزئي، إلى جانب المحتجين، نظراً إلى ما تمثله من تعويض لعدم امتلاك شباب الثورة آليات العمل السياسي، ومنحها فرصة دفع أركان النظام للتنحي بأقل تكلفة ممكنة، من دون أن يغيب عن المعتصمين حجم الضغط الذي تتعرض له المعارضة في الوقت نفسه من أطراف عربية ودولية للحوار مع السلطة.
إلا أن شباب الثورة باتوا مقتنعين بأن مقتضيات المواجهة في هذه اللحظة، باتت تطلب خروج المعارضة من المنطقة الرمادية التي وضعت نفسها فيها وضرورة اتخاذها موقفاً حاسماً مما يجري، بعدما تبين لها أن المعارضة لم تجد حتى اللحظة سوى استغلال قوة الشارع، لمساومة صالح للحصول على موقع لها داخل التركيبة الحالية للنظام.