مراقبة ما يجري في سوريا عن بعد، لا تتصل أبداً، ولا تشبه التدقيق في أحوالها من الداخل. وعندئذ لا حاجة إلى مشاهدة قناة «العربية» التي تتحدث عن ثورة عارمة، ولا لسماع وزير الإعلام السوري محسن بلال يتحدث عن استقرار وهدوء. ولأن وضع سوريا حساس من زوايا مختلفة، يجد المرء نفسه أمام معضلة تقدير ما سوف تؤول إليه الأمور هناك.ورغم أنه لا أحد، في سوريا ولا خارجها، لا داخل العقل البارد للنظام ولا خارجه، يشكك في أن سوريا تحتاج إلى تغيير كبير، لا يمكن أحداً إرغام أحد على التعامل مع الحدث السوري بمعزل عن الأسباب والخلفيات والاستهدافات، علماً بأنه في نهاية المطاف، ثمة وقائع لا يحق لأحد التحكم فيها غير الشعب السوري الذي له حريته التي لا أحد يمكنه ادعاء الوصاية عليها، لاختيار مصيره.
العنف الذي رافق بعض المواجهات في مدن سورية عدة، أثار الذعر عند الجميع. المعارضون كما الموالون للنظام. وخارج سوريا أيضاً، أثار قلق الراغبين في عدم وقوع سوريا في أيدي المشاريع الغربية، بينما أثار الفرحة والغبطة عند خصوم النظام، من الذين يدعون إلى مزيد من الدماء، لأن في ذلك ما يسرّع في إسقاطه، علماً بأن أحجية تحتاج الى تحقيقات مستقلة لمعرفة حقيقتها: كيف يُقتل متظاهرون بهذه الكثرة في درعا، وكيف يقتل عناصر الأمن في اللاذقية؟
أما في الجانب الآخر من المشهد، فإن الصورة هي المتعلقة بكيفية مبادرة الحكم في سوريا الى احتواء ما يحصل ضمن سياسة منع الانهيار، وكيف يمكن تصوّر قيادة واضحة أو موحدة للمعارضة، يمكن الوصول الى ورقة مشروعها التغييري، وخصوصاً أن بعض الخجل في الخطوات الإصلاحية، يُظهر الحكم متردداً، كأنه يفعل ذلك تحت ضغط الشارع، علماً بأن مصلحة النظام نفسه، قبل أي أحد آخر، هي في هذه الإصلاحات، بينما لا تزال المعارضة الناشطة في وسائل الإعلام على اختلافها، مجهولة باقي الهوية، ليس لأن أفرادها يخافون العقاب في سوريا، بل لأن كثيرين من المتحدثين باسمها هم في الحقيقة ليسوا سوريين أو يعيشون بعيداً عن البلاد، أو هم في أفضل الأحوال متضامنون مع الشعب السوري، دون أن يعني هذا الكلام أنه ليس بين هؤلاء مواطنون سوريون يريدون التغيير سواء كان شاملاً أو جزئياً.
في المحصّلة، فإنّ سباقاً كبيراً انطلق في سوريا، وهو سباق بين عدة قوى، منها المعادي الذي يريد انهياراً لكل شيء في سوريا، لبنيتها العامة، لقوتها العسكرية، لدورها في المنطقة، لاقتصادها، ولبناها الاجتماعية، ومنها القائم في مؤسسات الدولة الذي لا يريد تغييراً يطيح مواقع بالية، وآليات حكم مترهلة، ومناصب باتت تحتاج الى استئصال عند الشروع في بناء دولة أكثر حداثة، ومنها أيضاً، قوى تريد قطعة من سوريا، وتريد تقسيم البلاد وفق حسابات عرقية وطائفية ومذهبية، ومنها أيضاً، تيار موجود في الحكم، يريد تحقيق إصلاحات تتيح له أقله التجديد، إن لم يكن فتح الباب أمام تغيير يخالف قواعد الحكم المعمول بها منذ عام 1963.
هذا السباق سيستمر بعض الوقت، وستظل سوريا تحت الضوء، وسيكون علينا، نحن في لبنان، وفي فلسطين، وفي الأردن، قبل غيرنا من العرب، متابعة ما يجري هناك، لأن المحصلة سيكون لها أثرها المباشر في حياتنا اليومية، وغبي أو واهم من يعتقد بأن أي تغيير في سوريا سيكون معدوم التأثير في لبنان وفلسطين والأردن، بل سيكون له تأثيره الكبير والحاسم، في كل تفاصيلنا اليومية، السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
بيننا من يريد النظر الى الأمر بتجرد تام. لا يريد أن يأخذ بالاعتبار أن هناك الآن وفي كل لحظة، من يريد التخلص من النظام في سوريا، فقط لأنه كان حاضناً لتيار المقاومة في لبنان وفلسطين. وربما هذا الفريق ليس له صلة على الإطلاق بالشعب السوري التواق الى التغيير لأسباب مختلفة، ولا سيما أن وطنية النظام في سوريا هي في الأصل جزء من وطنية الشعب فيها. وهذا ما يجعل قوى المقاومة في لبنان وفلسطين تقف للمساعدة على حفظ الاستقرار، ومنع أخذ البلد الى فتنة وحرب أهلية، وهي القوى التي تعرف أن الشعب في سوريا يحتاج الى إصلاحات حقيقية، لكنها تعرف أيضاً، أنه لا يمكن التغاضي عن موقف الفريق اللبناني والفلسطيني والعربي والغربي المعادي للنظام في سوريا فقط بسبب موقفه من المقاومة، مثل حال فريق كبير من 14 آذار ومن قوى بارزة في 8 آذار التي كانت شريكة قسم من الحكم في سوريا يوم كانت دمشق تقيم توازناً بين جبهتين.
لكن هذا الموقف لا يمكن أن يقف حائلاً دون نقاش جدي، واقعي، لا طوباوي، يتناول ضرورة حث النظام في سوريا على السير في خطوات تجعل العنف خارج الأوراق الموجودة للتداول، وتجعل التنمية والمساواة في كل شيء شرطاً للوحدة والاستقرار. وفي جولة على بعض الأصدقاء من السوريين الذين يدعمون موقف النظام في المسألة العربية الخاصة بالصراع مع الغرب واسرائيل، وهم في الوقت نفسه على خلاف كبير مع آليات حكم النظام هناك، يمكن استخلاص ما يرونه دعوة الى رزمة إصلاحية تستهدف تغييرات حقيقيّة، لا تجميلية، وتوفر مناخاً يؤول الى بناء تشكل سياسي مختلف في دمشق، يتيح للشعب مع الوقت، سريعاً أو بعد حين، الوصول الى آليات اختيار شكل الحكم المناسب له، وهو أمر سيكون خاصاً بهؤلاء الناس، وما على الرسول إلا البلاغ.
ولأن النقاش بشأن الواقع في سوريا لا يتوقف عند حدود منذ فترة طويلة جداً، فإن بين المعارضين لسياسات حالية في سوريا من يعتقدون أن أمام الرئيس الأسد «فرصة ذهبية» لإجراء جملة إصلاحات تستهدف إطلاق عملية تغيير تجري بالتوافق بين السلطة والجمهور، وتمنع الانزلاق نحو فتنة تستجلب التدخل الخارجي وتدمّر سوريا. ويعتقد هؤلاء أن الفرصة جدية لأسباب كثيرة. ويمكن جمع حصيلة بعض المقترحات وفق الآتي:
1ـــــ رفع حالة الطوارئ وإصدار قانون طوارئ جديد يحصر إعلان تلك الحالة في ظرفين فقط: الحرب، والكوارث الطبيعية.
2ـــــ إطلاق سراح جميع المسجونين والمعتقلين السياسيين بموجب عفو عام
3ـــــ تعليق فوري للمادة 8 من الدستور، وتأليف لجنة وطنية لإعداد دستور جديد من مجموعة تمثّل الطيف الوطني، على أن تنهي مهمتها في مدة أقصاها 6 شهور.
4ـــــ إعداد قانون انتخابات ـــــ برلمانية ومحلية ـــــ جديد، والسماح بإنشاء الأحزاب على طريقة «علم وخبر»، شرط توافر كل ضمانات انتفاء التمويل الأجنبي، يلي ذلك إجراء انتخابات برلمانية ومحلية أواخر العام تحت إشراف قضائي كامل، على أن يناقش البرلمان الجديد في مصير الدستور الحالي وواقع رئاسة الجمهورية هناك.
5 ـــــ العمل على إصلاح القضاء واستقلاله باعتباره المفتاح الأساسي لضخ الصحة في عروق المجتمع، وتحقيق استقلاليته بربط كل جهاته، ومن ضمنها النائب العام، إلى مجلس القضاء الأعلى.
6ـــــ إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، أو الذين لُفّقت لهم أحكام جنائية على خلفية سياسية، وحصر الضابطة العدلية للمدنيين بجهاز يتبع لوزارة الداخلية، مع شرط توافر إذن من النائب العام، على أن تحدَّد مدة التوقيف.
7ـــــ لا علاقة للاستخبارات العامة بفرعيها الداخلي والعسكري بالمدنيين على الإطلاق. ودمج مجموعة من أجهزة الاستخبارات ضمن جهاز واحد يتولى متابعة الأمن القومي، وخصوصاً في مكافحة التجسس.
8ـــــ إقالة الوزارة الحالية واستبعاد كامل الفريق الاقتصادي، والإتيان بوزراء جدد على أن تترأس مجلس الوزراء شخصية تحظى بدرجة عالية من التوافق، مثل نائب رئيس الجمهورية الحالي فاروق الشرع.
9ـــــ حل الجبهة الوطنية التقدمية، وترك المجال أمام قيام تحالفات من داخل الندوة البرلمانية أو من خارجها.
10ـــــ رفع يد الدولة عن قطاع الإعلام، ووقف تمويله أيضاً، وإيجاد إطار لدعمه ضمن سياسات متعارف عليها في بعض الدول المتقدمة، وإلغاء احتكار الدولة لآليات الحصول على حق النشر والبث، وإلغاء الرقابة المسبقة على أنواعها، وإلغاء كل أنواع القيود القائمة ضمن نصوص أو من خلال الأمر الواقع.
11ـــــ البدء بإجراءات اقتصادية فورية تُسقط نهائياً الاقتصاد الموازي الذي يفتح بدوره الباب أمام الفساد المستشري في مختلف القطاعات، وخصوصاً عندما تغيب هيئات الرقابة الفعلية.
12ـــــ تأميم شركتي الاتصالات الخلوية على الفور، ووضع ممتلكات شخصيات اقتصادية كبيرة تحت الحراسة، وإطلاق تحقيق مالي بإشراف هيئة قضائية مستقلة.
13ـــــ إقفال ملف المفقودين بشفافية كاملة وإلغاء فوري لقانون 49 لعام 80 وإصدار جوازات سفر لكل السوريين دون أية موانع، إلا في حالة الخيانة العظمى.