غزة | تراجعت فرص تحقيق المصالحة الوطنية وتطلعات الفلسطينيين لزيارة ناجحة للرئيس محمود عباس لقطاع غزة تنهي الانقسام الداخلي، على وقع وضع حركة «حماس» شروطاً استباقية، وتنامي التصعيد العسكري على جانبي السياج الحدودي الفاصل بين القطاع وفلسطين المحتلة عام 48.وقالت «حماس» إن عباس «ليس موضع ثقة» ليستقبل في غزة، وإنه يستعين بالاحتلال الإسرائيلي للتصعيد العسكري، ويناور على المبادرة التي أطلقها رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية لتحقيق المصالحة. ووضع عضو المكتب السياسي للحركة، مسؤول العلاقات الخارجية، أسامة حمدان، ما يمكن اعتبارها «شروطاً» أمام عباس لتحقيق المصالحة تتضمن «وقف التنسيق الأمني والاعتقالات السياسية والإقرار بنتائج انتخابات عام 2006، وأن تعرض أي حكومة مقبلة على المجلس التشريعي»، الذي تتمتع «حماس» بغالبية مقاعده.
وشكك حمدان في حديث نشرته صحيفة «الرسالة» التابعة لـ«حماس»، في صدقية وعد عباس بإجراء الانتخابات، وقال: «ليس هناك أي استعداد مادي يمكن البناء عليه، فالتنسيق الأمني والاعتقالات السياسية مستمرة، وعباس يهدف إلى الالتفاف على موقف هنية».
واتهم حمدان عباس بالمناورة على دعوة رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية (لزيارة غزة)، قائلاً إنه «يستعين بالإسرائيليين من خلال التصعيد العسكري ضد القطاع ليقول لحماس إنها في موقف حرج وعليها اللجوء إليه لإنهاء التصعيد». ورأى أن عباس «في موقف ضعيف بعد فشل مفاوضات التسوية وفضائح المفاوضين الفلسطينيين، ورغم ذلك يضع الشروط ويقول إنه سيزور غزة لتأليف حكومة، لا للحوار». وتابع: «إن عباس ليس موضع ثقة ليستقبل في غزة كما يريد ويقرر، لكونه طعن المؤسسات الفلسطينية وعمل على إغلاق المجلس التشريعي، ولا يزال يلاحق المقاومين ويفكك المؤسسات التي دعمت الشعب».
وفي السياق، وصف المستشار السياسي لهنية، يوسف رزقة، استعداد عباس لزيارة غزة بأنه «خطوة إيجابية، لكنها ناقصة؛ لأنها استجابة إعلامية أحاطت بها شروط مسبقة كقوله: إنني أزور غزة لا للحوار، بل لإقامة حكومة وحدة وطنية، وتحديد موعد للانتخابات». وقال إن «هذه الأمور لا يمكن أن تحصل بمجرد الزيارة، بل بالحوار والتوافق المسبق بين حماس وفتح وسائر فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وهذا لم يحصل حتى الآن».
وذكر رزقة أنه «لا بد من تحويل المشهد الإعلامي إلى موقف سياسي محدد المعالم، ويكون هناك حوار شامل بين مختلف الأطراف». ورأى أنه خلال هذا الحوار «ينبغي تهيئة الأجواء والبيئة المناسبة للنجاح من خلال إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإعادة الاعتبار للمجلس التشريعي، الذي ينبغي أن يكون له دور أساسي في المصالحة الفلسطينية وترتيب الإجراءات المستقبلية».
من جهتها، أكدت حركة الجهاد الإسلامي أن طرح أبو مازن للمصالحة لا يكفي. وقال القيادي في الحركة نافذ عزام، عقب اجتماع حركته بـ«فتح»: «يجب أن نطرح الملفات العالقة المتمثلة بمنظمة التحرير وانتخابات المجلس الوطني والمرجعية وآلية اتخاذ القرار في الساحة الفلسطينية».
وفيما تبدو فرص نجاح زيارة عباس لغزة ضئيلة، رفعت إسرائيل من مستوى تهديداتها لـ«حماس»، إذا تواصل تساقط الصواريخ من القطاع على المدن والبلدات الإسرائيلية. وهدد نائب وزير الخارجية داني أيالون قادة الحركة الإسلامية بالقتل إذا تواصل تساقط الصواريخ والقذائف. وقال: «إذا قررت حماس تصعيد الوضع قسنضع حداً لذلك. لدينا مستويات عدة للتحرك قبل إرسال قوات برية إلى قطاع غزة، بما في ذلك تهديدات مباشرة موجهة إلى قادة حماس».
تحذير أيالون جاء في وقت لا يزال فيه الوضع شديد التوتر على جانبي السياج الحدودي مع القطاع. ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصادر «قيادة المنطقة الجنوبية» قولها إن «مشاورات مكثفة تجري هذه الأيام داخل القيادة لطرح حلول أمام المستوى السياسي للرد على التصعيد المستمر مع قطاع غزة». وقالت المصادر العسكرية الإسرائيلية إن «هذه الردود قد تبدأ بعد انتهاء فترة الأعياد، التي يحتفل بها اليهود هذه الأيام، ومنها عيد المساخر».
وأفردت وسائل الإعلام الإسرائيلية مساحات واسعة للحديث عن التصعيد العسكري في القطاع، وقدرات فصائل المقاومة، ورأت أن «الأمور تتدحرج على نحو خطير على حدود القطاع». وبحسب تقديرات إسرائيلية، سقط خلال الأيام الثلاثة الماضية أكثر من 60 قذيفة هاون، وصواريخ محلية، وصواريخ من طراز «غراد» روسية الصنع، في مناطق عدة في النقب الغربي، وقفت كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، وراء إطلاق معظمها.
وأعلن متحدث باسم جيش الاحتلال سقوط صاروخ من طراز «غراد»، مساء أول من أمس، على مدينة عسقلان جنوب إسرائيل، من دون أن يسبب انفجار الصاروخ وقوع إصابات أو أضرار. كذلك أطلق ناشطون فلسطينيون أمس، قذيفة هاون سقطت في منطقة النقب الغربي، من دون وقوع إصابات أو أضرار، بحسب الإذاعة الإسرائيلية.
وتدهورت الأوضاع الميدانية في القطاع إثر استشهاد ناشطين اثنين في كتائب القسام في قصف جوي استهدف موقع تدريب جنوب مدينة غزة، فيما نجا ناشط فلسطيني أمس من قصف إسرائيلي استهدفه، بينما كان يستقل دراجة نارية بالقرب من مفترق الشهداء، جنوب مدينة غزة.
وفي مدينة رفح، أقصى جنوب القطاع، توغلت آليات عسكرية إسرائيلية مئات الأمتار في حي النهضة شرق المدينة، وسط إطلاق نار كثيف في تجاه المنازل السكنية والأراضي الزراعية. وقال سكان ومزارعون في الحي إن الجرافات العسكرية التي رافقت قوات الاحتلال، جرفت وأعادت تسوية مساحات من الأراضي الزراعية.