بدا سيف الإسلام القذافي واثقاً من نهاية انتفاضة 17 شباط ضد والده، حين أعلن أن المدة الباقية لنهاية الثوار لا تتعدى 48 ساعة، وسط زحف قواته باتجاه بنغازي، معقل الثوار، بعد إعلان سقوط أجدابيا القريبة منهاساعات قليلة مرت على سقوط بلدة أجدابيا، التي تبعد 150 كيلومتراً عن بنغازي معقل الثوار، في يد القوات التابعة للعقيد معمر القذافي، ظهر بعدها سيف الإسلام القذافي ليعلن أن ساعات تفصل عن نهاية الانتفاضة ضد والده. تصريحٌ لم يكن مجرّد كلام في الهواء؛

فالتطورات على الأرض أشارت إلى بدء زحف القوات التابعة للقذافي نحو الشرق باتجاه بنغازي، استعداداً لما قد يكون المعركة الفاصلة في الانتفاضة ضد ملك ملوك أفريقيا. وكان لافتاً سحب منظمة «أطباء بلا حدود» طواقمها من بنغازي ونقلهم إلى مدينة الإسكندرية المصرية، بسبب اشتداد القتال بين مناهضي القذافي والقوات الموالية له.
ورغم حديث بعض الثوار عن استمرار القتال في أجدابيا، بدا سيف الإسلام متيقّناً من قدرة قواته على الأرض، معلناً أن الانتفاضة ضد القذافي «ستنتهي خلال 48 ساعة». وأضاف «الخونة سيفرّون إلى مصر». ولدى سؤاله عن النقاشات الجارية في المحافل الدولية لفرض حظر جوي على ليبيا، بدا مرتاحاً إلى سيطرة قواته على الموقف و«صفع» المجتمع الدولي، قائلاً إن «العمليات العسكرية انتهت، وكل شيء سينتهي خلال 48 ساعة». وأكد أن «القوات الليبية أصبحت قريبة من بنغازي، وأي قرار سيتخذ سيكون متأخراً».
كلام سيف الإسلام تزامن مع مطالبة الجيش الليبي سكان بنغازي بإلقاء السلاح، مع تقدم قواته باتجاه معقل المعارضين. وكشف التلفزيون الليبي عن أن قبيلتي ترهونة وورفلة في بنغازي أعلنتا تأييدهما للقذافي، رغم نفي المعارضة ذلك. ووصف بيان لقوات القذافي، بثّه التلفزيون الحكومي، الهجوم بأنه عملية إنسانية لإنقاذ شعب بنغازي، قائلاً إن «القوات لن تنتقم منه إذا استسلم». ودعا السكان إلى حثّ أبنائهم على تسليم سلاحهم إلى القوات المسلحة أو القيادات الشعبية ليشملهم عفو طلبه القذافي لكل من يسلّم سلاحه ويمتنع عن المقاومة والتخريب.
وبالتزامن مع إذاعة البيان، أشار سكان بنغازي إلى أنهم عثروا على منشورات ملقاة في الشوارع تقول إنهم لن يعاقبوا إذا أوقفوا القتال، وتعيد من جهة أخرى أقوال القذافي عن صلة المعارضين بتنظيم «القاعدة» وتعاطيهم المخدرات.
الحديث المستمرّ عن الزحف وعزم قوات القذافي على الحسم قابله نفي من صلاح بن سعود، وهو مسؤول حكومي سابق يقيم في بنغازي، الذي قال إن الحياة في المدينة طبيعية، ولم يظهر أنصار القذافي. وتابع «تردّدت شائعات عن أنه (القذافي) سيحاول استعادة بنغازي، وأثار ذلك قلق الناس، لكنه لم يحاول. الناس هنا لا يعتقدون أنه سينجح إذا حاول».
وإذا كان بن سعود قد نقل صورة مطمئنة للغاية، فقد أكد الناطق الرسمي باسم لواء السابع عشر من شباط، العقيد فرج الفيتوري، لقناة «الجزيرة»، أن بنغازي تعرضت لقصف جوي من قبل قوات القذافي، مشيراً إلى أن المضادات الأرضية تصدّت للطائرات المغيرة وأجبرتها على الفرار. ونفى نشطاء في ائتلاف 17 شباط وجود أي عمليات نزوح للسكان من المدينة، مؤكدين أن «الخطوط الأمامية محصّنة ونسعى إلى استدراج كتائب القذافي».
غير أن الحديث عن إمكان سقوط بنغازي دعمته مصادر فرنسية توقّعت حدوث ذلك خلال «ساعات»، معلنة سحب كل الصحافيين والناشطين الفرنسيين من المدينة باتجاه مصر.
هذا أيضاً ما قامت به منظمة «أطباء بلا حدود»، التي سحبت طواقمها من مدينة بنغازي في شرق ليبيا، ونقلتهم إلى مدينة الإسكندرية المصرية، بسبب اشتداد القتال بين مناهضي الزعيم معمر القذافي والقوات الموالية له. وأكدت أنها «ستستمر بمحاولة دعم المنشآت الصحية الليبية من خلال الأدوية والتجهيزات الطبية»، مشيرة إلى أنها «وفّرت حتى الآن 33 طناً من المواد الطبية».
أما في ما يخصّ أجدابيا، فقد نفى متحدث باسم الثوار لـ«الجزيرة» سقوطها. وأكد أن الثوار يسيطرون على معظم أحيائها. في المقابل، قال عادل يحيى، وهو مقاتل ومعارض سابق، إن الجيش الليبي سيطر على البلدة. وأضاف باكياً «خرجت وقلت لهم عندي بندقية وأعطيتها لهم. أعطيناهم بنادقنا ثم قالوا يجب أن تخرج لنحتفل بالقذافي. خسرنا. خسرنا». لكن وضع أجدابيا، بعيداً عن الجدل الدائر حول سقوطها أو لا، لا يبدو هادئاً. فقد أعلن الطبيب عبد الكريم محمد مقتل 26 شخصاً منذ يوم أول من أمس، مشيراً إلى أن المعارك لا تزال مستمرة.
وأتاح الاستيلاء على بلدة أجدابيا المفصلية عدة خيارات أمام جيش القذافي. فبإمكان الجيش الليبي التقدم شمالاً على الطريق السريع الساحلي إلى بنغازي أو التوجه شرقاً إلى طبرق التي تبعد 400 كيلومتر لعزل عاصمة المعارضين.
أما في مصراته، فأعلن متحدث باسم الثوار الليبيين أن القوات الموالية للقذافي شنّت هجوماً على هذه المدينة التي يسيطر عليها الثوار، ما أدى إلى سقوط أربعة قتلى على الأقل ونحو عشرة جرحى. وقال إن «المدينة تتعرض لهجمات من جميع الجهات. ونجح الثوار في إعطاب دبابتين لقوات القذافي كانتا تهاجمان من جهة الجنوب».
وفي ردود الفعل الدولية، اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأن الوقت قد تأخر، قائلة «نعم الوقت يدهمنا». ودعت إلى «تحرك عاجل» لحماية «الليبيين الأبرياء» من زحف قوات القذافي إلى بنغازي. وأضافت «يجري النظر في عدة تحركات. نعم هناك منطقة الحظر الجوي، لكن هناك خيارات أخرى أيضاً لحماية المواطنين الليبيين الأبرياء».
بدوره، حذر الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف من أن أيّ تدخّل عسكري برّي في ليبيا سيؤدي إلى اندلاع حرب، معرباً عن أمله بأن تتجاوب طرابلس مع إعلان حظر جوي فوق أراضيها.
أما الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فدعا إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في ليبيا. في المقابل، أعربت إيطاليا عن استبعادها أي حل عسكري حيال ليبيا. وأعلن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني عقد قمة قريباً بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي وجامعة الدول العربية، لبحث الأوضاع التي تشهدها ليبيا والتوصل إلى الحل المناسب. وأشار إلى أن «على المجتمع الدولي تجنّب التدخل العسكري لحل الأزمة الليبية».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)