الخرطوم | توّجت الحركة الشعبية لتحرير السودان تصعيدها في مواجهة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الذي تتهمه بالسعي إلى إطاحة حكومة الجنوب من خلال دعم ميليشيات متمردة، بإعلان تعليق التفاوض مع المؤتمر الوطني في قضايا ما بعد الاستفتاء، وفي مقدمتها قضية اقتسام الثروة النفطية، والديون وابيي، إضافةً إلى التلويح بورقة إيقاف تصدير نفط الجنوب عبر الشمال، فيما تدخلت الوساطة الأفريقية على أمل إيجاد حل سلمي للأزمة. ولرأب الصدع بين الشريكين، يقود رئيس لجنة حكماء أفريقيا، المفوض من جانب الاتحاد الأفريقي، رئيس جنوب أفريقيا الأسبق ثامبو مبيكي، جهوداً مكثفة لاحتواء الأزمة التي تحيط بها السرية الكاملة، متنقلاً بين الشمال والجنوب، حيث التقى قادة نافذين من حزب المؤتمر الوطني، بينهم نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، ومن المنتظر أن يلتقي اليوم رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت، على أن يلتقي الرئيس عمر البشير، لاحقاً، لمناقشة محصّلة ما جرى خلال لقاءاته، ولا سيما بعدما أطاحت اتهامات الحركة للحزب الحاكم اجتماع الرئاسة الذي كان يفترض به أن يناقش قضية أبيي بعد تصاعد العنف فيها. وتفجر الخلاف بين شريكي الحكم، بعدما شنّ وزير السلام في حكومة الجنوب، باقان أموم، على مدى الأيام الماضية هجوماً عنيفاً على حكومة الخرطوم متّهماً رأس الدولة عمر البشير بالتخطيط لإطاحة حكومة الجنوب، متسلّحاً بمجموعة من الوثائق تبرهن صحة رأيه. وجاءت الوثائق في شكل مراسلات كتابية جرت بين المؤتمر الوطني والاستخبارات العسكرية ووزارة الدفاع تتحدث عن تسليح الميليشيات المتمردة على حكومة الجنوب، التي صعّدت من هجماتها في الأسابيع القليلة الماضية، فيما وصف أموم المؤتمر الوطني بأنه يتعامل مع الحركة الشعبية والجنوب كأعداء، «لدرجة أنه يجري التنصت على مكالمات قادتها السياسيين بالاتفاق مع شركات الهاتف»، قبل أن يؤكد أن قادة الحركة الشعبية لديهم «كل الأسباب التي تجعلنا نعتقد أن هدفهم هو إزالة حكومة الجنوب واستبدالها بحكومة عميلة للخرطوم، قبل تموز لتسهيل احتلالهم الجنوب وثرواته».
ووسط سيل الاتهامات التي تواجهها حكومة الشمال، سارع حزب المؤتمر الوطني إلى رفض ما نسب إليه من تهم، مشيراً إلى ما عُرض من مستندات مفبرك. ورد رئيس حزب المؤتمر الوطني، عمر البشير، على اتهامات أموم بأن الشمال يسعى إلى التخطيط لإبادة جماعية في الجنوب على غرار ما حدث في دارفور، مشيراً إلى أن الحركة الشعبية درجت على الدوام على تحميل حزبه كل ما حدث في الجنوب من مشاكل، مشدداً على «التزام المؤتمر الوطني بدعم الجنوب ودفع العلاقات الاجتماعية بين الشمال والجنوب».
ولمّا كانت فزّاعة وقف تصدير النفط عبر الموانئ الشمالية من أبرز الأوراق التي تضغط بها الحركة الشعبية على المؤتمر الوطني، حذر الحزب الحاكم من أنّ أيّ محاولة للاعتداء على مكتسبات الشمال الاقتصادية وموارده قد تعيد الأطراف إلى مربّع الحرب، فيما وصف المراقبون قرار إيقاف تصدير النفط عبر الشمال بالمتعجل، وغير المدروس باعتبار أن إيقاف ضخ النفط يؤدي إلى إتلاف الأنابيب الناقلة، كما أنه يضر باقتصاد الجنوب لاعتماده الكلي على الثروة النفطية.
من جهته، لم ينف رئيس الحركة الشعبية للتغيير الديموقراطي، لام أكول، المتهم الرئيسي من جانب الحركة بتلقيه الدعم من الشمال، صحة الوثائق، لكنه أكد أن الوثائق المعروضة عبارة عن أوراق عسكرية قديمة منذ عام ٢٠٠٩، مشككاً في دواعي إبرازها في هذا التوقيت بالذات. ويرجح المراقبون أن الحركة اختارت إبراز المستندات لأنها تتعرض لضغوط متزايدة في الجنوب من جانب الأحزاب الجنوبية، التي أبدت اعتراضها على اللجنة التي أنيطت بها إعادة صياغة الدستور، بعدما همّشت القوى السياسية الجنوبية، ما يعني فشل الحوار الجنوبي الجنوبي.
ويذهب المراقبون أيضاً إلى أن الحركة تسعى إلى البحث عن عدو مشترك لتوحد به الجبهة الداخلية، بعدما انتفت الأسباب الموحدة بعد اعتراف الشمال بنتيجة الاستفتاء، والأرجح أن هذا العدو هو الشمال. وهو ما نفاه القيادي في الحركة الشعبية ووزير التعاون الإقليمي في حكومة الجنوب دينق ألور لـ «الأخبار»، قائلاً «لا توجد أيّ ضغوط تتعرض لها الحركة الشعبية في الجنوب، كل المشاكل التي تتعرض لها الحركة مع المؤتمر الوطني». وبعدما أيّد تعليق الحوار مع المؤتمر الوطني، قال «كيف يمكننا أن نتحاور وأبناء الجنوب يقتلون بعضهم بعضاً بدعم من المؤتمر الوطني، اخترنا هذا التوقيت بعد تصعيد عمليات القتل في ملكال وغيرها من المدن».