لا تزال الأزمة الليبية معلّقة بين عواصم القرار، ولا سيما في ما يخص الحظر الجوي غير المتفق عليه بين القوى الكبرى، التي أجرت سلسلة من المشاورات في باريس ونيويورك، فيما دخلت تركيا على خط الأزمة بمبادرة وساطة بين الثوار ومعمر القذّافيفي الوقت الذي تخوض فيه قوات المعارضة الليبية قتالاً عنيفاً للدفاع عن مناطقها، بعد سقوط الزاوية ورأس لانوف بأيدي قوات العقيد معمر القذافي، أكد الثوار استرجاع مدينة البريقة، فيما اقترح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، على الزعيم الليبي معمر القذافي، ترشيح رئيس يحظى بقبول شعبي في وسيلة لإنهاء الأزمة في البلاد.

وقال أردوغان في مقابلة مع قناة «العربية» إنه يتوقع من القذافي «أن يتخذ خطوات إيجابية في هذا الاتجاه». وأضاف: «أولويتنا هي وقف إراقة الدماء. نريد وقف القتال من كلا الطرفين، سواء من شرق ليبيا أو غربها». وتابع: «اتصلت بالقذافي ثلاث مرات واقترحت عليه، ما دام يقول إنه ليس برئيس، أن يرشح اسماً يختاره هو ويحظى بقبول الشعب الليبي ليكون رئيساً للمرحلة المقبلة». وأردف: «طلبت منه ذلك وتحدثت مع ابنه».
وحذر أردوغان من مغبة التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا «خشية تكرار سيناريو العراق»، معرباً عن أمله «تقديم القذافي لخطوة إيجابية حقناً لدماء شعبه». ووصف أي تدخل عسكري في ليبيا، سواء من حلف شمالي الأطلسي أو غيره، بـ«الخطأ الكبير»، قائلاً: «يجب ألا يكون هذا الأمر على أجندة الأطلسي أو حتى للنقاش، هذا سيزيد الأمر سوءاً هناك». وأشار إلى أنه لا ينظر إلى ما يحدث في ليبيا من الزاوية التي ينظر منها الغرب؛ «فأنا لم أسمع حتى الآن تصريحات وتعليقات سليمة من الدول الغربية عمّا يحدث في ليبيا، وأود أن أكرر وأشدد على أننا نرفض التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا».
الموقف التركي المعارض للتدخل الخارجي ينضم إلى موسكو، التي طلب وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، من جامعة الدول العربية تقديم المزيد من التوضيحات بشأن طلبها من مجلس الأمن فرض منطقة حظر جوي.
وأكد لافروف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الهولندي أوري روزينتال في العاصمة الروسية، أنه سيُنظَر في اقتراحات محددة بشأن فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا فور إحالتها على مجلس الأمن.
وكان الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، قد وقّع أمس مرسوماً رئاسيّاً يحظر بموجبه على الزعيم الليبي وأفراد عائلاته والمقربين منه دخول الأراضي الروسية. وذكرت وسائل إعلام روسية أن الحظر يشمل 15 شخصاً، بينهم أبناء القذافي ومسؤولون كبار متورطون بأعمال العنف ضد معارضي نظام الحكم.
وفي القاهرة، قالت الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، إن «الدول الأوروبية تخطط لكل الخيارات للتعامل مع الأزمة في ليبيا». وأضافت: «نتطلع لأن يقوم مجلس الأمن بدوره باعتباره الجهة الشرعية المكلفة معالجة هذا الأمر». ولفتت إلى أن توافقاً أوروبياً على ضرورة استناد المناقشات في مجلس الأمن إلى «تأييد إقليمي»، في إشارة ربما إلى قرار جامعة الدول العربية.
وفي نيويورك، حيث تصدّرت باريس ولندن الدعوات لفرض حظر للطلعات الجوية العسكرية في مختلف أنحاء ليبيا، قال المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة، جيرار أرو، قبل الاجتماع المغلق للمجلس لإجراء مشاورات في الوضع الليبي: «الآن بعد صدور هذا البيان من الجامعة العربية نأمل بالفعل أن يؤدي ذلك إلى تغيير قواعد اللعبة بالنسبة إلى الأعضاء الآخرين في المجلس. ونأمل أيضاً أن تسمح لنا هذه المشاورات في وقت لاحق هذا الأسبوع بالعمل على إصدار قرار». وأضاف أن لبنان العضو العربي في مجلس الأمن سيؤدي دوراً محورياً في المفاوضات بشأن إصدار قرار يسمح بفرض حظر للطيران.
ورداً على سؤال عما إذا كان فرض حظر للطيران فوق ليبيا قد تأخر كثيراً، قال مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة، نواف سلام «إن فرض حظر الطيران ممكن دوماً». وأوضح دبلوماسيون أن الولايات المتحدة بين دول المجلس التي لم تصدر بعد قراراً بشأن تأييد فرض منطقة حظر للطيران وبين الدول التي تشكك في وجوب فرض مثل هذا الحظر روسيا والصين، اللتان تتمتعان بحق النقض (الفيتو) إلى جانب ألمانيا وجنوب أفريقيا والبرازيل.
ولكي تصدر قرارات عن مجلس الأمن، يتعين أن تحصل على تأييد تسعة من أعضاء المجلس من دون اعتراض (فيتو) أي من الأعضاء الخمسة الدائمي العضوية.
أما وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، فقد رأى أن نجاح القذافي في الاحتفاظ بالسلطة سيكون «كابوساً طويلاً للشعب الليبي وستكون دولة منبوذة لبعض الوقت». وأضاف، لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أن حظر الأسلحة الدولي المفروض على ليبيا منع بريطانيا من تسليح الثوار. وتابع قائلاً إن المجتمع الدولي وصل إلى «نقطة اتخاذ القرار» بشأن ما يفترض القيام به في ليبيا، مشيراً إلى أنّ «من الواضح أن فرض منطقة حظر جوي هو أحد الخيارات».
وبعد يومين من استعادة كتائب النظام الليبي مدينتي راس لانوف والزاوية النفطيتين، دعا العقيد الليبي كلاً من الصين والهند وروسيا إلى أن «تتولى» شركاتها صناعة النفط في ليبيا، وذلك خلال استقباله سفراء هذه الدول في طرابلس، حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء الليبية الرسمية. وقالت الوكالة إنه «خلال هذه المقابلة أُكدت أهمية إسهام الصين والهند وروسيا في إطفاء الحريق الذي أشعله الإرهابيون المرتزقة في خزان رأس لانوف النفطي» في شرق البلاد.
في هذه الأثناء، قال موقع صحيفة «برنيق» الليبية المعارضة، إن الثوار أعادوا السيطرة على مدينة البريقة شرق ليبيا بعد تمكّنهم من دحر القوات الموالية للقذافي إلى الغرب من المدينة، فيما قصف طيران القذافي مواقع في مدينة إجدابيا وألقت منشورات تدعو للاستسلام.
وقال المتحدث العسكري باسم الثوار، العقيد حامد الحاسي، لقناة «العربية» إن الثوار أسروا 20 من أفراد قوات القذافي وقتلوا 25 في البريقة، مضيفاً أن القوات الحكومية أجبرت على التراجع 20 كيلومتراً من المدينة.
وأكد مسؤول الشؤون العسكرية في المجلس الوطني الانتقالي، اللواء عمر الحريري، لقناة «الجزيرة» إن الثوار وقوات منشقة من الجيش تمكنوا من استعادة السيطرة على مدينتي البريقة والعقيلة بعد تنفيذهم عملية التفاف على كتائب القذافي.
وفي مبادرات تحفيزية للثوار، وعد الجيش الليبي بالعفو عن جميع العسكريين الذين التحقوا بصفوف الثوار «إذا رجعوا نادمين وسلموا أسلحتهم»، حسبما نقل التلفزيون الرسمي عن اللجنة العامة المؤقتة للدفاع.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)