القاهرة| الشعار الأيقوني «الشعب يريد إسقاط النظام» توقف أمام ليبيا وفقد معناه. فالنظام بالأساس غير موجود، ويُختصر في كتابات العقيد، ويتطور عبر أحلامه وخيالاته. لهذا، حينما خرجت جموع الشعب الليبي في ثورة شباط، أصبح شعارها «الشعب يريد إسقاط العقيد». معظم شعارات الثورة الليبية جاءت موجهة نحو القذافي ومتأثرة بأحداث الثورتين المصرية والتونسية. ففي بنغازي، كتبت على الجدران عبارات «يسقط القذافي العميل» و«معاش نبوا (لم نعد نريد) خراب زيادة يرحل القذافي وأولاده»، كذلك هتف المتظاهرون «ثورة في تونس. ثورة في مصر. ثورة في ليبيا حتى النصر» و«ثورة ثورة حتى النصر... بكرا ليبيا تحصّل مصر».
بعض الشعارات كانت تذكر معمر بنهاية جيرانه من الرؤساء السابقين، «‎سقط حسني مبارك، توا جا دور جارك». شعارات أخرى كانت تأخذ من صوتيات موسيقى الصحراء، حيث يهتف قائد التظاهرة «يوم الجمعة يوم الجوع»، فيرد المتظاهرون «اييييي»، ويكمّل «قذافي يبكي بالدمعة»، ويأتيه الصوت «اييييي»، ثم يتابع «يوم الجمعة الساعة ثلاثة (اييييي)، قذافي يبكي مع ولاده (اييييي)».
لكن هذه الرسائل والهتافات المباشرة لم تكن ذات تأثير على القذافي، الذي خرج أكثر من مرة على الشاشات ليؤكد أن المتظاهرين والمتمردين عليه مجموعة من «الجرذان» يتعاطون حبوب الهلوسة. ومثل كل الرؤساء العرب، تستفز خطابات العقيد الليبيين، فيخرجون إلى الشوارع مرة أخرى للردّ على خطاب القذافي، الذي فضّل البعض التعامل معه باعتباره مجنوناً أو مريضاً نفسياً يحتاج إلى العلاج، فرفع شعار «الشعب يريد معالجة العقيد».
وعلى جدار أحد شوارع بنغازي، رسم أحدهم جدارية ضخمة للقذافي وقد كتب تحتها «قرد قرود أفريقيا»، في سخرية واضحة من واحد من أكثر ألقاب القذافي المحبّبة إلى قلبه «ملك ملوك أفريقيا».
بنغازي التي شهدت معارك ضارية بين الثوار وكتائب القذافي، كانت موضوعاً أيضاً لعدد من الشعارات والهتافات: «نوضي نوضي (ثوري ثوري) يا بنغازي جالكي اليوم اللي تتراجي (أتى اليوم الذي تتمنينه)». ومن خارج بنغازي خرجت الهتافات المؤيدة والمتضامنة مع ثورة أهلها: «والله والله، والله، عن بنغازي ما نتخلى». وحينما تحررت بنغازي واندلعت المواجهات في مدن أخرى، كانت التظاهرات تخرج بالشعار نفسه من المدن المتضامنة «والله والله والله، عن بريقة ما نتخلى».
أما قناة «الجزيرة» التي تعرّض بثّها للتشويش من موقع داخل مدينة طرابلس، فكانت أيضاً موضوعاً لهتافات المتظاهرين الذين هتفوا «يا جزيرة يا جزيرة، قذافي نبو تغييرا» و«يا جزيرة يا جزيرة، وإلى اليوم حلقة الأخيرة».
تعامل القذافي طوال عقود طويلة مع شعبه باستهانة وتحقير، كانا بالتأكيد من الأسباب التي دفعت الكثير من الليبيين إلى الخروج في تظاهرات سلمية أو مسلحة للدفاع عن النفس. واحدة من النظريات عن أسباب اندلاع الثورة الليبية ترجع الأمر إلى شعور الليبي بالإهانة طوال عقود، ليس فقط مما يلقاه على يد معمر القذّافي وأعوانه، بل أيضاً من كون القذافي، مع كل علامات التعجب والاستفهام عليه، يمثّل المواطن الليبي. أضف إلى ذلك تحقير القذافي للشعب الليبي وسخريته الدائمة منه، لذا جاءت بعض هتافات الثورة تحاول استعادة التاريخ النضالي لليبيا وترميم الشخصية الليبية، عبر بثّ الثقة بالنفس فيها. لهذا ظهرت الشعارات التي تشير إلى ماضي ليبيا النضالي مثل «نحن أبناء عمر المختار... ولدنا لنكون أحرار». ورفع المتظاهرون شعارات تحقّر القذافي، منها «‎يا قذافي يا أبو شفشوفة (صاحب الشعر الأشعث)، الشعب الليبي توا تشوفا (الآن تعرف معدنه الحقيقي)»، «يا قذافي يا حقير، يا زعيم الخنازير»، «يا مهبول، يا أبو الخيمة، الشعب الليبي عند قيمة»، «‎يا قذافي يا مجنون الشعب الليبي في السجون».
في مقابل هذا الابتكار والحماسة في شعارات تظاهرات الثوار، تظهر ضحالة وفقر شعارات تظاهرات أنصار القذافي مثل «الله ومعمر وليبيا وبس»، «قومية جماهيرية، ليبيا ثورة شعبية»، وكلها شعارات تقليدية يرددها أنصار القذافي وعناصر حركة اللجان الثورية في مختلف المناسبات الوطنية.
تنوّع شعارات الثورة الليبية دفع عدد من أعضاء موقع الموسوعة الحرّة «ويكيبيديا» إلى تأسيس صفحة باللغة الإنكليزية لشعارات الثورة الليبية، حيث قُسّمت إلى شعارات موجهة إلى أوباما، وشعارات موجهة إلى القذافي، وشعارات موجهة إلى العالم. كذلك تحتوى الصفحة على قسم للشعارات باللغة العربية.
فوق المتظاهرين تحلّق الطائرات الحربية لتقصف الشعب الليبي. تخرج مسيرات شعبية لتشييع الشهداء، فترتفع هذه المرة الشعارات موجهة إلى الله «لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله»، «لا إله إلا الله القذافي عدوّ الله»، «يا جبار يا جبار، احجز مكانه في النار»، «يا حي يا قيوم شفشوفة (صاحب الشعر الأشعث القذافي) يموت اليوم». أحياناً تسقط الأمطار فوق المتظاهرين في الشوارع والميادين فيرتفع هتاف أخير «يا مطر يا مطر... طيحي حوش معمر»، أي بيته.