القاهرة | مع دخول المواجهات بين قوّات الزعيم الليبي معمّر القذافي والثوّار مرحلة تقترب من الحسم، تبدو دعوات فرض حظر جوي على ليبيا مقبولة ومرحّباً بها في بلدان عربية وغربية، وخصوصاً بعدما لجأ « العقيد» الى سلاح الطيران في ضرب معارضيه في المناطق الشرقيّة.الدعوة الى فرض الحظر في الأيام الماضية بدت متسارعة للغاية، وخصوصاً بعدما أكد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أكمل الدين إحسان أوغلو، في بيان له، أن «المنظمة تضم صوتها إلى صوت من طالبوا بفرض حظر جوي على ليبيا، بغية حماية المدنيين من غارات الطائرات عليهم». ويأتي هذا التأييد في وقت ينتظر فيه ثوار ليبيا من جامعة الدول العربية قراراً واضحاً من الاجتماع المزمع عقده غداً السبت لبحث تطورات الأزمة الليبية، وإمكان فرض حظر جوي.
لكن المتحمسين للبدء بتنفيذ هذا الحظر فاتهم البحث عمّن سيدفع فاتورة هذا العمل، كما يقول الخبير العسكري المصري اللواء حسن الزيات، الذي يرى أن التكلفة الاقتصادية الباهظة تقف عقبة أمام اشتراك الولايات المتحدة فيه، نظراً إلى ظروفها في العراق وأفغانستان.
ويقول الزيّات لـ«الأخبار» «أميركا مترددة، وشبح ما يحدث في العراق وأفغانستان ماثل أمامها، وهي تتخذ قرار فرض حظر جوي على ليبيا، لأن هذا الحظر قد يستدعي تدخّلاً برياً، وحينها تكون الأمور قد أخذت منحى آخر مختلفاً تماماً عما يريده العالم من فرض هذا الحظر».
ويشدد الزيات على ضرورة السير فى هذا الطريق، لكن بعد حساب التكلفة ومعرفة من يتحمل الحساب «حتى لا تتكرر مآسي العراق في ليبيا»، مشيراً الى أن «الأميركيين لا يدخلون معارك مجانية، وقد يطالبون بعد انتهاء الأزمة الليبية بثمن هذا التدخل، وهذا الثمن سيكون بالتأكيد حصة من نفط ليبيا».
بدوره، يرى قائد القوات المصرية في حرب الخليج، اللواء محمد بلال، لـ«الأخبار»، أن «إمكان فرض حظر جوي على ليبيا قائم وليس هناك أيّ عائق، نظراً إلى وجود الأسطول الأميركي في البحر المتوسط، وعدد من القواعد الأميركية في الخليج، وهذا بدوره يسهّل فرض الحظر».
لكن بلال يشير إلى أنه «من الأفضل أن يكون الحظر على مناطق معينة، مثل المنطقة الشرقية، التي تبدأ من طبرق حتى بنغازي، لأنها منطقة معارك بين الثوار وقوات القذافي، بهدف حماية المدنيين، أما المنطقة الغربية، فمعظمها تخضع لسيطرة القذافي».
المعارك الطاحنة في راس لانوف قد تعجّل إصدار قرار دولي بفرض الحظر، كما يقول اللواء حسن الزيات، الذي يطالب جامعة الدول العربية «بسرعة اتخاذ القرار حمايةً للمدنيين وحقناً لدماء الثوار في ظل القصف المتسارع من جانب القذافي لمدن وقرى المعارضين».
ورغم انتظار القرار العربي، يرى الخبير العسكري اللواء ممدوح عطية أن «فرض حظر على المجال الجوي الليبي يستدعي تدخلاً أميركيّاً وأوروبيّاً نظراً إلى التفوق العسكري لهذه الدول، وإمكان تحجيم الخسائر من خلال هذا التفوق»، مشيراً الى أن الحظر يقتضي عمليات إنزال جويّ بالمظلات أو المروحيّات على مدار الساعة. ويؤكّد أن مثل هذا السيناريو «سيجعلنا أمام عراق جديد لم يتحقق فيه الأمن والأمان بعد التدخل العسكري الأجنبي»، لذلك يطالب بقوات عربية وأفريقية تنفّذ هذا الحظر.
ومع تكاثر الحديث عن الحظر وتأكيد الخبراء إمكان تحقيقه، كما حدث في السابق أثناء أزمة لوكربي، يقفز سؤال عن الإمكانات العسكرية الليبية في مواجهة هذا الحظر، ومدى قدرة الدفاع الجوي الليبي على التصدي والثبات أمام الآلية العسكرية، سواء كانت عربية أو أجنبية. قائد قوات الدفاع الجوي المصري الأسبق، الفريق محمد عبد الحميد الشحات، يقول «للأسف القوات الجويّة متردّية للغاية، والأسلحة التي حصلوا عليها من روسيا متهالكة ولا ترقى لمواجهة الطائرات الأميركية الفائقة التقدم»، مضيفاً إن أجهزة الرادار والدفاع الجوي الليبي ضعيفة للغاية أيضاً، إضافةً إلى أن مستوى الطيارين الليبيين سيّئ «وليس لديهم قدرة على المناورة».
يتفق اللواء محمد بلال مع ما ذهب اليه الفريق الشحات من أن القوات الليبية ليس لديها أسلحة مضادة لطائرات «أف 16» أو «أف 18» أو حتى «أف 14». ويرى اللواء الزيّات أن القوة الليبية محدودة. ويقول «القذافي لديه 280 طائرة من طراز قديم يسهل إسقاطها، إضافةً الى أن نصفها لا يعمل، وهذه الطائرات نتيجة صفقة من الاتحاد السوفياتي تحملتها ليبيا في أواخر الثمانينيات، حتى تضمن وقوفه إلى جوارها في أزمة لوكربي».
ويرى الزيّات أن هناك مشكلة واحدة في الحظر، هي أن «الطائرات المروحية لا تظهر على شاشات الرادار»، لكنّه يضيف إن علاج هذه المشكلة سهل عبر «تزويد الثوار بالأسلحة المضادة والمدافع من عيار 14.5 الى عيار 20 ملليمتراً، مع العلم أن المروحيّات الليبية غير مدرّعة وسرعتها لا تسمح لها بالمناورة».