تونس | صرخات الفرح والغبطة اكتسحت ساحة الحكومة بالقصبة أمس، فور انتهاء الرئيس التونسي المؤقت، فؤاد المبزع، من إنهاء خطابه الذي بثّ مباشرة عبر مكبّرات الصوت في المكان الذي يعتصم فيه المئات من التونسيين منذ قرابة أسبوعين.
المبزع أعلن صراحة تبنّيه غالبية مطالب المعتصمين، على رأسها «الدفن» النهائي للدستور القديم والدعوة إلى انتخاب مجلس تأسيسي يضع دستوراً جديداً للبلاد.
أما الشارع التونسي الذي تجاوب إيجاباً مع الخطاب، فقد ودّع اليوم المعتصمين مهدياً إياهم الورود جرّاء التضحيات التي قدّموها لتحقيق الانتقال النهائي إلى الديموقراطية في البلاد، ولتضعها في مسار يقطع الماضي.
بدوره، رئيس الحكومة الباجي قائد السبسي، أكد ما ورد في خطاب المبزع عندما شدد على «إيقاف العمل بدستور 1959 الذي سيتبعه بالضرورة توقيف عمل كل المؤسسات التي نص عليها هذا الدستور»، وهو ما يعني عملياً حل البرلمان بغرفتيه.
وطمأن التونسيين إلى أنه وكامل الفريق الحكومي لن يترشحوا للانتخابات المقبلة، وهو ما يقطع باب التأويلات أمام محاولات توظيف وجود الحكومة من أجل الدعاية الانتخابية، الأمر الذي دفع زعيمي حركة التجديد أحمد إبراهيم، والحزب الديموقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي، إلى التسليم بحقائبهما الحكومية.
قائد السبسي لم ينس على ما يبدو ماضيه البورقيبي. ففي ردّه على سؤال عن وضعية صحافيي «دار العمل» التي كانت تتبع لحزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم سابقاً، أفاد بأن الإعلام يضطلع بدور مهم باعتباره «يسهم في التعريف بنشاط الحكومة ومعاضدة جهودها وفي ترسيخ الوحدة الوطنية»، مؤكداً حرص الحكومة المؤقتة على العناية بهذا القطاع حتى يكون شفافاً ومسؤولاً، أي العودة إلى النظر في الإعلام كآلة «بروباغاندا» لا أكثر.
من جانبها، الأحزاب السياسية كان ردّها متردداً بعد أن علّق المعتصمون تحركهم. المعارض الشرس للرئيس المخلوع، المنصف المرزوقي، قال إن «الإعلان عن إنشاء مجلس وطني تأسيسي يسهر على وضع دستور جديد للبلاد، أكبر مكسب تحقق في تونس بعد الثورة، وخطوة إيجابية ستدفع البلاد نحو الأمام». بيد أن بقية الأحزاب ظلّت تراقب الوضع بصمت، وخصوصاً مع إعلان تغيير تسمية اللجنة العليا للإصلاح السياسي التي يرأسها عياض بن عاشور، إلى «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديموقراطي»، التي قد تضم الأحزاب المكمّلة لـ«مجلس حماية الثورة».
وأوضح أن المهمة الأساسية للهيئة في مرحلة أولى تتمثل في إعادة النظر، الجوهرية والعميقة، في المجلة الانتخابية بما يكفل انتخاب مجلس تأسيسي يتولى وضع دستور جديد يحمي الحريات، مجلس منبثق عن إرادة الشعب الحرة.
وقال رئيس الهيئة إن دستور 1959 لا تقدر أحكامه على ترجمة إرادة الشعب بعد التغييرات التي أدخلها عليه النظام السابق، بما جعل منه أداة قانونية مكّنت الحكومات المتتالية من فرض السيطرة المطلقة على الشعب وإقصاء المعارضين وقتل العقل الحر وحرية التعبير. «أولويات المرحلة المقبلة هي المشاركة في إطار الهيئة الوطنية لحماية أهداف الثورة والإصلاح السياسي، والانتقال الديموقراطي في إعداد قانون انتخابي انتقالي يضمن الديموقراطية والشفافية ويقطع مع ممارسات الماضي المقيت ومع كل أساليب التدليس والإقصاء والتسلط».
وتبقى الآمال معلقة على النظام الانتخابي الخاص الذي أشار إليه المبزع، والذي على ضوئه ستنظم انتخابات المجلس التأسيسي يوم 24 تموز المقبل.
وإذ بدأت الأحزاب استعداداتها لخوض الانتخابات، فإن المشهد السياسي حالياً يتّسم بالضبابية، وخصوصاً مع انفجار كبير للأحزاب السياسية بلغ عددها ستين حزباً، جرى الاعتراف بـ21 منها إلى حدّ الآن.
ولم تظهر بعد خريطة التحالفات المرتقبة، حيث من الثابت أن التجديد والديموقراطي التقدمي تقاربا كثيراً، فيما يخصّ التعاطي مع الحوادث السياسية خلال الأسابيع الماضية، فيما يحاول بعض أقطاب المعارضة الممثلة في حركتي النهضة وعدد من الأحزاب اليسارية إحياء جبهة «14 كانون الثاني»، بعد أن أصابها التصدع نتيجة مشاركة مكوناتها في صلب ما كان يسمى «مجلس حماية الثورة» منفردين.