غزة |ما يزيد على ثلاثة آلاف نفق على امتداد الحدود الفلسطينية ــ المصرية تجاوز عمر بعضها 15 عاماً، أي قبل انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من محور صلاح الدين (فلاديلفيا) عام 2005، دُمرت بصورة متتابعة وشبه كلية، على يد الجيش المصري. وآخر الخطوات المصرية التي وضعت حلاً جذرياً لظاهرة الأنفاق، كانت غمر الشريط الحدودي على مسافة 13 كلم بمياه البحر المتوسط، الأمر الذي أنهى وجود ما بقي منها.
«الأخبار» زارت الشريط الحدودي في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، حيث كان المكان ينعم بالنشاط وبالحياة قبل سنوات. هناك التقينا «س. ش»، الذي كان يدير عدداً من الأنفاق، ومنها ما غمرته مياه البحر أخيراً. أشعل الرجل الخمسيني سيجارته وبدأ حديثه عن «أيام العز» التي «راحت ومش رح ترجع»، فأنفاق «أبو خالد» غمرتها المياه بعدما باءت محاولة إنقاذها بالفشل، لأنّ مضخات الدفع التي استخدمها الفلسطينيون لإخراج مياه البحر صغيرة وغير مجدية مقارنة بتلك التي استخدمها المصريون.
أبو خالد أكد أن سكان رفح على وجه التحديد، حتى خلال وجود الاحتلال، عاشوا سنوات من الرخاء الاقتصادي بفعل تجارة الأنفاق. وعن الأنفاق التي نجت من الغمر، أكد الرجل أن عددها قليل جداً، فلم يأخذ أصحاب الأنفاق بالحسبان مثل هذه الخطوة، ولم يكن هناك متسع من الوقت لتأمين أنفاقهم بالإسمنت والأخشاب على الأقل. لكن المشكلة، وفق زميله الثلاثيني، أبو سالم، ليست في ما بقي من الأنفاق فقط، بل في صعوبة العمل من الجهة المصرية، حيث سُوِّيَت المنازل بالأرض، وأضحت التحركات مكشوفة للعيان، وهو ما يصعّب مهمة نقل البضائع إلى مخارج الأنفاق الموجودة بالقرب من السياج الحدودي.
صورة المشهد في الجانب الآخر نقلها «أبو صياح»، أحد أشهر تجار الأنفاق المصريين، مؤكداً خلال مكالمة هاتفية أن تجارة الأنفاق دخلت عالم النسيان. وأضاف بلهجته القريبة إلى الفلسطينية، أن الأيام التي كنا «نتناول فيها الفطور في العريش والغداء في رفح والعشاء في مطعم «الحاج» (مطعم شاورما شهير وسط غزة)، ذهبت ولن تعود.
وعمّا يعمل من أنفاق وأهم البضائع التي يجري تهريبها إلى غزة الآن، قال الستيني أبو صياح، إن البضاعة الوحيدة تقريباً، التي تدخل الآن هي السجائر، وإن عمليات التهريب تمر تحت عين الجيش إن لم تكن بالشراكة معه.
وتثير تجارة السجائر رغبة التجار والمهربين، نظراً إلى أرباحها الهائلة وصغر حجمها وسهولة نقلها، وهو ما يسمح بتعدد أساليب تهريبها. وقالت مصادر خاصة لـ«الأخبار»، إن الحد الأدنى لربح كل رزمة سجائر يتجاوز 1000 دولار أميركي، فيما يتعدى الحد الأدنى لعدد الرزم المهربة يومياً 100 رزمة، ويتقاضى صاحب النفق 300 دولار مقابل كل رزمة.
وتشير المعلومات التي حصلنا عليها إلى أن هذه التجارة تجري بالشراكة بين تاجر فلسطيني وآخر مصري صاحب نفوذ لدى الجيش، الأمر الذي يسهل العملية التجارية. وبالعموم، إن أنفاق تهريب السجائر لها سمة خاصة، ومعدة خصيصاً لهذا الغرض، ومن شأن تصميمها أن يحافظ على استمرارية عملها برغم الإجراءات المصرية، نظراً إلى ضيقها وعمقها وتغليفها بمواد بلاستيكية تُسهم في عزلها عن الرطوبة.