صور| لا يمكن أن تمر الأحداث الليبية مرور الكرام في سماء الجنوب. ليس لأن هناك الكثير من أبنائه في المدن الليبية فحسب، بل لأن ما يجري قد يكشف مصير الإمام موسى الصدر الذي تحوّل إلى قضية تعيش عليها أطراف عدة. بتثاقل شديد، تستقبلنا زوجة فادي سليم، أحد اللبنانيين المحاصرين في ليبيا. السيدة تكاد تسقط أرضاً بسبب الإرهاق والتوتر الباديين على وجهها. فهي لم تنم منذ ساعات طويلة بانتظار الاطمئنان إلى مصير زوجها العالق وسط معركة الحياة والموت بين الشعب وحاكمه. وهي لا تترك سماعة الهاتف، إما انتظاراً لاتصال محتمل من فادي، أو آخر من الأقارب يحمل لها أخباراً جديدة من البلد المحجوب عن الإعلام. إلا أن القلق لا يستعر في الطبقة الثالثة من المبنى في الحي البحري في بلدة الصرفند، بل في الطبقتين الأولى والثانية، حيث تقيم أسرتا شقيقي فادي المحاصرتان معه. وخلال الحديث يتبين أن للأشقاء في ليبيا بقية تتمثل بشقيق رابع وابنه وجيران لهم وآخرين في بلدة عدلون المجاورة، كانوا قد اسسوا مصالح لهم في قطاع صيد السمك.
في منزل الحاج حسن سليم، والد الأشقاء الأربعة، سنترال افتتحه الأهل والأقارب لمحاولة الاتصال بالأبناء في ليبيا. كل شخص من الموجودين يحمل هاتفاً خلوياً إلى جانب الهاتف الثابت، محاولاً الاتصال بأحدهم. تصرخ الوالدة: «علّق الخط»، فيصغي الجميع إلى الصوت المنتظر. يرن الهاتف طويلاً من دون جواب، فيما ينذر رقم آخر بأنه خارج الخدمة. اضطراب الاتصال مع ليبيا مستمر منذ ثلاثة أيام، لم يتلق الأهل في خلالها سوى ثلاثة اتصالات من الأبناء حتى مساء أمس، أخبروهم بأنهم انتقلوا من مدينة مصراطة الساحلية إلى العاصمة طرابلس الغرب. الانتقال كان بدافع الهرب من الاشتباكات التي اندلعت في الساحل المتضخم بالتظاهرات المعادية للقذافي. إلا أنها انتقلت سريعاً إلى العاصمة. وفي اتصال آخر، أكدوا الأنباء الواردة عن أن الطائرات تقصف المتظاهرين في طرابلس. قليلة هي المعلومات التي نقلها المحاصرون في أحد المنازل عن الأوضاع الميدانية. وبحسب الوالد، فإن معظم الكلمات التي ينبسون بها هي «الحمد لله على كل حال وشكراً»، في إشارة إلى أن الخطوط مراقبة، ما يمنعهم من التحدث بحرية على الهاتف، علماً بأنهم عبّروا عن مخاوفهم بعد نفاد التموين المتوافر في ظل الإقفال التام للأسواق والحصار المفروض على التنقلات.
من أحد الأشخاص، علمت العائلة أن الحكومة اللبنانية بصدد إرسال طائرة لإجلاء رعاياها من ليبيا على غرار ما فعلته في مصر، إلا أن رعايا آل سليم أنفسهم لم يكونوا على علم بذلك؛ إذ ينقل والدهم أنهم «يحاولون بمبادرة شخصية الخروج من البلاد، فيما السفارة اللبنانية هناك لم تتصل بهم». حتى إن العائلة في لبنان، قررت مساء أمس فقط، مراجعة وزارة الخارجية هنا للإبلاغ عن أسماء أبنائهم وعناوينهم.
وفي اتصال مع «الأخبار»، أشار مصدر في وزارة الخارجية اللبنانية إلى أن القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا خصص أرقام هواتف عدة ليستخدمها اللبنانيون للاتصال به وتسجيل أسمائهم من بين الراغبين في مغادرة البلاد. وبالنسبة إلى استعداد السفارة لإيواء اللبنانيين تمهيداً لترحيلهم، لفت المصدر إلى أن معظمهم يقيمون في مدينة البيضاء البعيدة عن العاصمة حيث مقر السفارة، وذلك في ظل صعوبة التنقل من مكان إلى آخر وخطورته.
ولأن حركة الطيران المباشرة بين بيروت وطرابلس متوقفة منذ سنوات، فإن الراغبين بالمغادرة، كما في الأحوال العادية، يستقلون الخطوط التونسية أو التركية حيث يتنقلون عبر عاصمة الدولتين بين بيروت وطرابلس. المصدر أفاد بأن الخطوط التركية تخصص المقاعد الشاغرة على رحلاتها للبنانيين الراغبين في المغادرة.
آل سليم لا ينتظرون الاطمئنان إلى مصير أبنائهم فحسب، بل إلى مصير الرجل المعلقة صورته منذ سنوات على حائط الغرفة الرئيسية للمنزل. إنه الإمام موسى الصدر الذي يظن الكثيرون أن قضيته ذات الثلاثة والثلاثين عاماً، باتت في أيامها الأخيرة.
في مدينته صور، تصبح للأنباء الواردة من ليبيا أهمية خاصة؛ لأن «نظام الطاغية الذي غيب الصدر وسجنه يتهاوى، فالله يمهل ولا يهمل»، بحسب بيان أصدره منبر الإمام الصدر الثقافي. ويستند المنبر إلى أن عدداً من المعارضين الليبيين كانوا قد أكدوا أن الصدر، الذي اختطف مع الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين خلال زيارة رسمية لليبيا، لا يزال حياً ومحتجزاً في معسكر سرت الصحراوي التابع لقوات الحرس الجمهوري.