القاهرة| «لا تفاوض إلا بعد رحيل مبارك»، عاد الشعار في اليوم الرابع عشر لينهي متاهة المفاوضات مع نائب الرئيس عمر سليمان. الشعار رفعه «ائتلاف شباب الثورة المصرية» الذي أُعلن أمس بين حركات «٦ أبريل»، «العدالة والحرية»، «الجبهة الحرة للتغيير السلمي»، «حشد»، و«حملة دعم البرادعي». الائتلاف يقطع خطوط محاولة النظام احتواء الثورة وتحويلها إلى تظاهرة، ويفسد خطة إخلاء ميدان التحرير، التي وصلت إلى ذروتها بمفاوضات أول من أمس. المفاوضات أحدثت بلبلة، وخصوصاً مع ارتباطها بخطاب عاطفي عن بداية عصر جديد يقوده الرئيس «الأب والقائد» يعيد بناء مصر.
وفي النهار انتشر عناصر من الشرطة السرية والحزب السري في الحزب الوطني الحاكم، لترويج أفكار «كفاية كده». النظام حقق كل ما طلب منه، ولنبدأ معاً في بناء العصر الجديد بناءً على وعود السيد الرئيس. الحزب السري انتشر في حلقات داخل ميدان التحرير، وكان الرد من ائتلاف الثورة في تجديد المطالب: رحيل نظام مبارك، محاسبة المسؤولين عن قتل الشهداء، إبعاد الجيش عن السياسة، إنهاء العمل بحالة الطوارئ، حل مجلسي النواب والشورى، حرية تكوين الأحزاب، وإلغاء جميع القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير.
البيان أربك حسابات الجميع، وخصوصاً مع ما بدا أنه «انسحاب تدريجي» لجماعة «الإخوان المسلمين» من الميدان، وهو حسب مصدر من الجماعة تغيير في التكتيك بعد ما سماه «فشل في توجيه ضربة قاضية والاتجاه إلى تجريب الفوز بالنقاط». التغيير، حسب المصدر نفسه، نتيجة ما سمعه «الإخوان» في حوار النائب من اتهامات يرى فيها أصحاب القرار الآن أن «الإخوان يقودون جناح التشدد في ميدان التحرير، وأنهم وراء رفض الحوار والاصرار على تنحية مبارك».

شبكة العادلي

على صعيد آخر، تكشفت أمس فضائح الخطوط السرية لنظام مبارك. أقوى هذه الخطوط اتهام وزير الداخلية المقال حبيب العادلي بتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة. الاتهام ورد في بلاغ قدمه المحامي ممدوح رمزي إلى النائب العام عبد المجيد محمود، الذي أحاله على نيابة أمن الدولة العليا.
البلاغ يحمل الرقم 1450 لسنة 2011 ويكشف عن تنظيم سري ألفه وزير داخلية مبارك منذ ست سنوات لتفجير مصر في حال اهتزاز النظام. المعلومات تعتمد على أقوال دبلوماسي بريطاني أمام دوائر في قصر الإليزيه يشرح فيها أسباب إصرار بريطانيا على رحيل مبارك ونظامه، وذلك بناءً على تأكد الاستخبارات البريطانية، عبر وثائق مسموعة ومكتوبة، من وجود التنظيم وتورطه في تفجير كنيسة الإسكندرية.
وحسب البلاغ يقود الجهاز السري للعادلي 22 ضابطاً من أجهزة الشرطة، ويضم عدداً من بعض أفراد الجماعات الإسلامية التي قضت سنوات في السجون، وعدداً من تجار المخدرات، وفرق الشركات الأمنية، وميليشيات مسجلين خطر قُسِّموا حسب المناطق الجغرافية، وأصحاب سوابق ومتهمين في قضايا سياسية سابقة.
جهاز العادلي قادر على أن يكون «جهاز تخريب شامل» في جميع أنحاء مصر، إذا تعرض النظام لأي اهتزاز. ويبدو أن اهتزاز النظام بعد كارثة التزوير الفاضح لانتخابات برلمان 2010، إضافة إلى اتساع مساحة القلق من خلافة الرئيس مبارك، كانا إشارتين إلى «الاهتزاز» الذي يحرك الجهاز السري للعادلي.
وحسب البلاغ، كان تفجير كنيسة الإسكندرية هدف الجهاز السري. وكما كشفت الاستخبارات البريطانية، تولى الرائد فتحي عبد الواحد قيادة العملية بداية من 11 كانون الأول الماضي، حين اختار أحد مساجين الجماعات الإسلامية واسمه أحمد محمد خالد للاتصال بمجموعة مصرية متطرفة، وتكليفها ضرب كنيسة القديسين في الإسكندرية.
أحمد خالد اتصل بمجموعة متطرفة في مصر اسمها «جند الله»، وأبلغها أنه يملك معدات حصل عليها من غزة يمكن أن تفجر الكنيسة لـ«تأديب الأقباط». محمد عبد الهادي (قائد جند الله) أعجبته الفكرة، وجنّد لها عنصراً اسمه عبد الرحمن أحمد علي، قيل له «إنك ستضع السيارة وهي ستنفجر وحدها في ما بعد».
المعلومات الواردة في البلاغ أكدت أن الرائد فتحي عبد الواحد كان هو بنفسه من فجر السيارة عن بعد، بواسطة جهاز لاسلكي، وقبل أن ينزل الضحية عبد الرحمن أحمد علي من السيارة.
هكذا وقعت الجريمة المروعة، وبعدها صاغ العادلي ورجاله مسرحية الكشف عن المتهمين في احتفال عيد الشرطة حين وقف الوزير، وبحركة تمثيلية أخرج من مظروف أصفر تفاصيل الاتهام وسط تصفيق الرئيس وابتساماته.
وهذه لم تكن سوى مسرحية، بدأت فوراً بعد إتمام العملية حين استدعى الرائد منفذ العملية، العنصر المختار سابقاً، أحمد خالد، وطلب منه استدعاء رئيس جماعة (جند الله) محمد عبد الهادي إلى إحدى الشقق في الإسكندرية لمناقشة النتائج، وفور لقاء الاثنين بادر الرائد فتحي إلى اعتقال الاثنين، ونقلهما فوراً إلى القاهرة بواسطة سيارة إسعاف حديثة جداً، واستطاع الوصول خلال ساعتين ونصف ساعة إلى مبنى خاص في منطقة الجيزة بالقاهرة تابع للداخلية المصرية، حيث حجز الاثنان معاً.
لكن جمعة الغضب غيرت كل شيء… وارتبكت الشرطة وهرب جهازها السري واستطاع المحجوزان أن يهربا من الحجز، ويتمكنا من اللجوء إلى السفارة البريطانية في القاهرة حفاظاً على سلامتهما.
وهناك روى كل منهما الرواية التي ستهز مصر، وتكشف كيف كان مبارك يخطط لحرق مصر، وكيف خططت أجهزته السرية لإشعال الفتن وتفجير الكنائس.

سيارة الدهس أميركية

ليست هذه آخر الفضائح. فضيحة أخرى حملها بلاغ آخر قدمه جمال تاج عضو لجنة الحريات في نقابة المحامين إلى النائب العام، البلاغ عن السيارة القاتلة الطائشة التي دهست نحو 25 شاباً ومتظاهراً يوم جمعة الغضب بشارع القصر العيني. السيارة عثر عليها أهالي شارع الشيخ ريحان بجوار وزارة الداخلية واكتشفوا أنها تابعة للسفارة الأميركية.
جمال تاج ذكر في بلاغه أن الأهالي الذين عثروا على السيارة قالوا إنهم شاهدوا ليلة الحادث ضابط شرطة مصاباً وثلاثة من الأميركيين نزلوا من السيارة ودخلوا الوزارة. تفسير عضو لجنة الحريات أن مؤامرة بين جهاز أمن الدولة والسفارة الأميركية للتجسس، أو لمحاولة إثارة الفتنة بين الشباب المعتصمين في ميدان التحرير.
وقبل أن ينتهي اليوم الذي بدا مقلقاً بعد ضربة المفاوضات التي وجهها عمر سليمان إلى الثورة، في محاولة الاحتواء الضخمة، ظهر وائل غنيم منسق مجموعة «كلنا خالد سعيد» على شاشة قناة «دريم» متحدثاً بصدق أشعل البيوت المصرية، بخطاب عاطفي يمكن أن يحدث تأثيراً يقترب من حرق البوعزيزي نفسه في تونس، وبالطبع يمكن أن يوقف قليلاً سيل الخطابات العاطفية عن الرئيس الأب الذي ينفذ طلبات أولاده المشاغبين.
كيف ستواجه ثورة النيل مرحلتها الجديدة بعد ترنح المومياء أمام إصرار الأحياء على صنع مصر جديدة؟